دبلن تناور لاقتناص غنائم انفصال لندن عن بروكسل
دبلن تناور لاقتناص غنائم انفصال لندن عن بروكسل
في أعلى مبنى سكني في إيرلندا أخذ يرتفع على موقع يطل على نهر ليفي وسط مدينة دبلن المعروف باسم كابيتال دوك، وهو امتداد للحي المالي في المدينة. المبنى الذي يتألف من 23 طابقا – المسمى Hailing Station – سوف يجري تقديم “حياة عمل خالية من التنقلات وموطنا جذابا في حي حيوي وملهم”، وسيكون جاهزا للإشغال بحلول عام 2019، تماما في الوقت الذي تحل فيه مغادرة بريطانيا.
مع اقتراب لحظة تفعيل بريطانيا للآلية الرسمية لخروجها من الاتحاد الأوروبي، تقوم شركات الخدمات المالية في الحي المالي في لندن بشكل محموم بتقييم مواقع في الخارج تحسبا لمغادرة بريطانيا الصعبة.
أثار التصويت بمغادرة بريطانيا مخاوف عميقة حول تنقل الأشخاص والبضائع في المستقبل عبر حدود الجمهورية مع إيرلندا الشمالية.
إلا أن المسؤولين في دبلن واثقون من أن العاصمة الإيرلندية ستكون قادرة على استغلال مزاياها لتقديم موطن طبيعي للشركات المالية التي ترغب في إنشاء أو الحفاظ على وجود لها في الاتحاد الاوروبي.
في الوقت الذي يجتمع فيه مندوبون من المراكز المالية في العالم في دبلن اليوم لحضور المنتدى المالي الأوروبي السنوي، سيتم تذكيرهم بأن هذه المدينة تمتلك هذه المزايا بشكل وفير، فهي تشترك في التوقيت واللغة مع الحي المالي في لندن، وتستخدم نظام القانون العام نفسه.
ولدى المدينة نفسها خدمات مالية دولية نمت من لا شيء قبل ثلاثة عقود ووصلت لتوظيف 35 ألف شخص في إدارة الأموال، وإدارة الأصول، وتأجير الطائرات، والمدفوعات، والتكنولوجيا المالية. ولديها جيش من المحامين والمحاسبين المتبحرين في مجال الخدمات المالية.
طريقة دبلن في التعامل مع الفرص التي يمكن أن تعرضها مغادرة بريطانيا تتم نسبيا بصورة متواضعة. تجنبت المبالغة في إظهار الاهتمام والمودة التي أطلقتها باريس وفرانكفورت، مفضلة أن تقدم حجتها بالنسبة لأعمال لحي المالي وراء الكواليس.
في الواقع، في كثير من الحالات، الحي المالي هو الذي يتودد لدبلن بدلا من العكس، بحسب ما يقوله البعض في هذا القطاع، لكن المسؤولين يبدون واقعيين حول ما يمكن أن يحدث بعد مغادرة بريطانيا، حيث يقللون من أي اقتراح يقول إن الشركات سوف تتدفق من المملكة المتحدة إلى إيرلندا.
يقول أووين ميرفي، وزير الخدمات المالية في إيرلندا: “إننا نتخذ نهجا يتسم بالفطنة. نحن لا نتقدم بشكل مكشوف مثلما تفعل باريس أو المراكز المالية الأوروبية الأخرى”. ويضيف أنه سوف تتوافر هناك فرص من مغادرة بريطانيا. “إلا أن الافتراض هو أن لندن ستظل المركز المالي في أوروبا. نحن نكمل لندن وكذلك نتنافس معها”.
دبلن ولندن لهما صلات خدمات مالية قوية. يغلب على اللاعبين في الصناعة أن يعرف بعضهم بعضا جيدا. كما يشير جو دافي، التنفيذي المختص بإيرلندا لدى بنك نيويورك ميلون والرئيس القادم للمجموعة التجارية إيرلندا للخدمات المالية: “إيرلندا لديها فرصة رائعة للعمل بشكل وثيق مع لندن لقد كنا شركاء طبيعيين على مدى السنوات الـ 25 الماضية”.
كانت مغادرة بريطانيا صدمة من صدمتين خارجيتين عانتهما إيرلندا في عام 2016. والأخرى كانت قرار المفوضية الأوروبية أن شركة أبل يجب أن تدفع 13 مليار يورو كضرائب بأثر رجعي بسبب الترتيبات الضريبية الإيرلندية التي اعتبرت بمنزلة “مساعدات غير قانونية من الدولة”.
مارتن شاناهان، الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية لتنمية إيرلندا، يقول إن للقضية تداعيات خطيرة ولكن مغادرة بريطانيا تعتبر التحدي الأكبر: “إنه الأمر الأكثر تأثيرا حتى الآن”، كما يقول.
لا تزال هناك تساؤلات حول مدى استعداد دبلن وقدرتها على انتهاز أية فرصة بعد مغادرة بريطانيا. قبل كل شيء إنها مسألة تتعلق بالقدرة التشغيلية. ابتداء من توافر المساحات المكتبية، إلى القدرات التنظيمية والبنية التحتية المادية والندرة الحادة في توفر سكن لائق، لدى دبلن شوط لا بأس به من أجل اللحاق بركب المنافسين الأوروبيين مثل باريس وفرانكفورت وأمستردام.
بعد المصارف في إيرلندا، كانت الضحية الرئيسية لانهيار النظام المالي هي البناء، الذي توقف. المزيد من الرافعات تشاهد الآن على خط الأفق أكثر من أي وقت مضى منذ الأزمة. وكما يقول بول فينوكين، مدير مساحات الأعمال في شركة كوليرز إنترناشيونال للاستشارات العقارية ومقره دبلن: “كانت هناك أزمة في العرض لأنه لم يكن يجري بناء أي شيء ولكن الأمور الآن أفضل بكثير مما كانت عليه”. ويقول فينوكين إن وجود مساحات مكتبية تزيد على نصف مليون متر مربع إما اجتازت عملية التخطيط أو تمر فيها الآن.
البنية التحتية المدنية آخذة في التحسن، كما نرى من امتداد نظام الترام في وسط مدينة دبلن. من المفترض أن يكتمل النظام بحلول نهاية عام 2017. المطار ليست له وصلة مترو أنفاق، ولكنه قريب نسبيا من المدينة. وفقا لدافي، تتمتع دبلن “بحجم ونطاق فرانكفورت” في حين أنها أقل تكلفة للعمل فيها من باريس.
تضررت سمعة إيرلندا أثناء الأزمة المالية. سجن بعض المصرفيين حول جرائم متعلقة بانهيار بنك أنجلو آيريش، المؤسسة التي كانت في قلب فقاعة الائتمان الإيرلندية. ويجري إعادة بناء سمعتها ببطء والبنك المركزي يعتبر الآن جهازا تنظيميا يبذل جهودا كبيرة ونشطة في إتقان عمله على نحو يفوق ما كان عليه قبل عقد من الزمن.
يقول بات لاردنر، الرئيس التنفيذي لمؤسسة “الصناديق الإيرلندية”، التي تمثل قطاع الصناديق الاستثمارية: “هناك مستوى أكبر بكثير من التفصيل والوضوح بخصوص ما تتطلبه الجهات التنظيمية ومستوى أعلى من اليقظة”.
ومع ذلك، فإن البنك المركزي يواجه أيضا قيودا على القدرات. في أواخر العام الماضي قال ديرفيل رولاند، رئيس قسم الإنفاذ في البنك، إن سقف الرواتب الذي فرض خلال سنوات التقشف يعرقل قدرة البنك على استقطاب الموظفين من ذوي الكفاءة العالية.
قدرة الاختناقات الأخطر هي في السكن. كان السبب الرئيسي وراء انهيار إيرلندا هو أن المصارف ألقت مبالغ أكثر من اللازم من الائتمان في بناء المنازل، ما أدى إلى بناء عدد كبير فوق الحد من المنازل.
غير أنه الآن، وبعد نحو عشر سنوات دون بناء منازل جديدة، هناك نقص في دبلن. وبالنسبة للعمال الدوليين، تفتقر المدينة إلى مدى الشقق ذات الجودة العالية التي تتوفر بسهولة في لندن أو باريس.
مع ذلك، بعد مرور عشر سنوات على بداية الأزمة المالية الإيرلندية، فإن دبلن ترتقي مرة أخرى إلى مصاف نادي المراكز المالية الدولية. أحدث تقييم من الشركة الاستشارية Z/Yen يعطي دبلن المرتبة الـ 31، وهو أعلى بثمانية مستويات من تقييمها السابق. هل يمكن أن تصعد لتحتل مكانا بين أعلى 20 مركزا؟ هذا يعتمد على ما سيحدث بعد مغادرة بريطانيا.