الحمم المنصهرة .. مصدر الطاقة

تتمتع حرارة الأرض الوفيرة الداخلية ــــ أو الطاقة الحرارية الأرضية ـــ بوصفها مصدرا للطاقة المتجددة بإمكانات لا تصدق. في مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية التقليدية تستخدم الصخور الساخنة في توليد البخار الذي يحرك التوربينات. ولكن إلى الشمال في آيسلندا تستهدف مجموعة من الباحثين والشركات الوصول إلى ما هو أكبر من ذلك بكثير عبر الحفر العميق جدا في القشرة الأرضية لاستكشاف إمكانات توليد طاقة متجددة من مواد الحمم المنصهرة. 
وتسعى آيسلندا إلى استغلال الطاقة المتجددة من الحرارة الداخلية للأرض. ويستهدف مشروع الحفر العميق في آيسلندا IDDP  بحلول نهاية العام إنشاء الحفرة الأكثر سخونة في العالم بدرجات حرارة تراوح بين 400 وألف درجة مئوية، وقدرة إنتاج توازي عشرة أضعاف الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة الحرارية الأرضية التقليدية. وتعد الطاقة الحرارية الأرضية أو حرارة الأرض الداخلية واحدة من أكبر مصادر الطاقة المتجددة. ومن أمثلة مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية التقليدية البخار الساخن المتدفق من الفتحات الأرضية الذي يمكن أن يحرك التوربينات ومن ثم يتم توليد الكهرباء.
ومن المعروف أن آيسلندا بالفعل تتجنب استخدام الوقود الأحفوري وتبحث باستمرار عن طرق للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة. وتتمثل إحدى هذه الطرق في الحفر العميق جدا في الأرض للاستفادة من إمكانات طاقة مواد الحمم المنصهرة. ومنذ آب (أغسطس) شرع مشروع الحفر العميق في آيسلندا IDDP في استخدام الحفار "ثور" لحفر خمسة كيلومترات (3.1 ميل) في القشرة الأرضية، وصولا إلى تدفقات الحمم البركانية القديمة فيريكيانيس في المنطقة الجنوبية الغربية من آيسلندا. وبمجرد اكتمال الحفر في نهاية عام 2016، تتحول دولة آيسلندا إلى موطن لأهم حفرة في العالم تراوح درجات حرارتها بين 400 وألف درجة مئوية (أو بين 752 و1832 درجة فهرنهايت).
ووفقا لألبرت ألبرتسون المدير المساعد للشركة الآيسلندية للطاقة الحرارية الأرضية HSOrka، فإن الحفر سيخترق امتداد اليابسة في أعراف منتصف الأطلسي وهي عبارة عن حد تباعدي رئيس بين الصفائح التكتونية للأرض. وقد صرح ألبرتسون أنه " قد سبق الحفر في الصخور الصلبة عند هذا العمق، ولكن لم يسبق أبدا الوصول إلى مستوى هذه السوائل". وبالوصول إلى أسفل أعماق مياه البحر الساخنة في هذا المكان تحت الأرض يستهدف الباحثون من مشروع الحفر العميق في آيسلنداIDDP البحث عن ماء في شكل "بخار فوق حرج"؛ ويقصد به المادة التي ليست سائلة ولا غازية وتحمل المزيد من الطاقة الحرارية. ويستطيع هذا البخار توليد 50 ميجاواط من الطاقة بما يكفي لتزويد 50 ألف منزل بالطاقة، مقارنة ببئر الطاقة الحرارية الأرضية النموذجي الذي يولد 5 ميجاواط.
وقد ألغت آيسلندا بالفعل الوقود الأحفوري من شبكتها التي تعمل بالكامل على الطاقة المائية والطاقة الحرارية الأرضية. وتعد الحفرة الساخنة الجديدة ثانية بئر عميقة في مشروع الحفر العميق في آيسلنداIDDP . حيث أنشئت الحفرة الأولى في حقل كرافلا للطاقة الحرارية الأرضية في المنطقة الشمالية الشرقية في عام 2009، وتم بلوغ الحمم بشكل غير متوقع على عمق نحو كيلومترين. وعند هذا العمق لم ترتفع جدا درجة حرارة مياه البحر التي اخترقت قاع المحيط بفعل الحمم المنصهرة فحسب، بل إنها أصبحت مرتفعة الضغط للغاية (أكثر من 200 ضعف ضغط الهواء في الغلاف الجوي). ويتوقع الفريق أن يجد الماء في شكل "بخار فوق حرج" ـــ أو ما يعرف أيضا باسم "مياه التنين" ـــ ويقصد به المادة التي ليست مادة سائلة ولا مادة غازية وتحمل من الطاقة الحرارية ما يفوق قدرة كلتا المادتين.
وتتمتع آيسلندا بوفرة تحسد عليها من الطاقة الحرارية الأرضية التي يمكن الوصول إليها بسهولة والقابلة للاستخدام. وبالنسبة لآيسلندا لا يحمل هذا الأمر جوانب بيئية واستراتيجية فحسب، بل إنه يمثل الخيار الأرخص بالنسبة لها. وفي المستقبل يمكن أن يؤدي نجاح مشروع الحفر والبحث هذا إلى ثورة في كفاءة الطاقة في مناطق الطاقة الحرارية الأرضية مرتفعة الحرارة في جميع أنحاء العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي