قرار «ساما» برفع التمويل العقاري

اتخذت مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" نهاية الأسبوع الماضي، قرارا بزيادة الحد الأقصى لنسبة مبلغ التمويل إلى قيمة المسكن الواردة في المادة الثانية عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التمويل العقاري، من نسبة 70 في المائة، إلى نسبة 85 في المائة من قيمة المسكن الأول، وقصر تطبيق هذا القرار على المواطنين فقط، وبررت مؤسسة النقد "ساما" قرارها الأخير بأنه جاء بعد مرور أكثر من عامين على تطبيق أنظمة التمويل ولوائحها التنفيذية، ولتطور البيئة النظامية والرقابية المصاحبة للتمويل العقاري، بما عزز من مستويات الحماية من المخاطر المصاحبة لهذا النوع من التمويل، وبما يحقق المحافظة على حقوق أطراف العلاقة وثقة المتعاملين بالتمويل العقاري. يحمل قرار مؤسسة النقد "ساما" كأي قرار أو إجراء نظامي من أي جهة حكومية تنفيذية إيجابيات وسلبيات، ما يعني تحمل تلك الجهة التنفيذية مسؤولية تعزيز الإيجابيات المأمولة، والعمل المستمر على محاصرة السلبيات ومنعها قدر الإمكان من التمدد والتوسع، وهو الجانب الأكثر حساسية بالنسبة لجهاز كجهاز مؤسسة النقد "ساما"، كونها الجهة التي تقوم بعمل البنك المركزي في الاقتصاد الوطني، والجهة القائمة على إدارة السياسة النقدية لدينا، والجهة المشرفة والمراقبة للنظام المصرفي والتمويلي في البلاد، وهما الجانبان الأعلى أهمية على الإطلاق في أي اقتصاد كان، اللذان يتطلبان من البنك المركزي لحماية استقرار الاقتصاد من خلال ضمان استقرار القطاع التمويلي، إضافة إلى حماية قيمة عملته الوطنية من تآكل قيمتها الحقيقية، والحد من آثار التضخم المحلي، أن تبذل قصارى جهودها بصورة مستمرة، لأجل المحافظة على تحقق تلك الأهداف المهمة جدا واستدامتها. بداية؛ من إيجابيات القرار الأخير لمؤسسة النقد "ساما"، أنه: (1) سيسهم في القضاء على التجاوزات التي ارتكبها بعض مؤسسات التمويل، ودفع ثمنها كثير من عملائها، من خلال تحميلهم أعباء قرضين بنكيين (استهلاكي، عقاري)، استهدفت من خلال النوع الأول "الاستهلاكي" توفير مقدم التمويل العقاري البالغة نسبته 30 في المائة، الذي يتم دفعه بالكامل لاحقا لأجل الحصول على التمويل العقاري، وما ترتب عليه من ارتفاع تكلفة التمويل هنا على المقترض لأجل شراء أرض أو عقار، هذا عدا ارتفاع وتضخم قيمة الأصل العقاري المستهدف بالشراء، ودخول المقترض في نفق طويل مظلم جدا يمتد لأكثر من 20 عاما، يتم استقطاع أعلى من 65 في المائة من دخله الشهري، لأجل سداد أقساط التمويلين "الاستهلاكي، العقاري". (2) القرار سيقضي على ما يسمى "إقراض الظل المصرفي"، وهو الأخطر من التجاوز السابق، حيث يدخل "طرف ثالث" يتولى توفير مبلغ مقدم التمويل العقاري "30 في المائة" بمعدل فائدة مرتفع، يقوم بدفعه للمستفيد، ومن ثم يقوم المستفيد بدفعه إلى الجهة الممولة، في الوقت ذاته تتواطأ الأطراف كافة على تضخيم القيمة السوقية للأصل العقاري المستهدف بالشراء، للوصول بقيمة التمويل المستهدفة "70 في المائة" إلى القيمة التي تغطي الـ 30 في المائة "مقدم التمويل" زائدا الفائدة المتفق عليها مع الطرف الثالث، زائدا القيمة الحقيقية للأصل العقاري المشترى. لعل هذه أهم إيجابيات قرار مؤسسة النقد "ساما" الأخير، في المقابل قد يكون من سلبيات القرار، قيام عديد من الأطراف العقارية باستغلال هذا القرار للتمسك بالأسعار المتضخمة التي وصلت إليها، أو على أقل تقدير إيقاف الانحدار الذي آلت إليه طوال أكثر من عام ونصف مضى، إلا أن مما يحد كثيرا منه؛ ارتفاع مستوى وعي أفراد المجتمع بالأوضاع الاقتصادية الراهنة، وأن مصير الأسعار المتضخمة سائر نحو مزيد من الانخفاض، هذا عدا الضغوط المعيشية التي أصبحت واضحة المعالم أمام الأفراد في المستقبل القريب، وما رافقها من انخفاض في الأجور الشهرية نتيجة إيقاف صرف عديد من البدلات، كلها عوامل ستلعب دورا بارزا في الحد من تفاقم تلك المخاطر. الجانب الآخر من تلك السلبيات؛ المتعلق بزيادة انكشاف القطاع التمويلي على المخاطر الكبيرة جدا في القطاع العقاري، الذي يخضع خلاله القطاع الثاني لعديد من الضغوط الاقتصادية والمالية والهيكلية، التي دفعت ببدء انخفاض الأسعار المتضخمة لأصوله، ويتوقع استمرارها لعدة أعوام مقبلة، تقف خلفها عوامل أقوى بكثير من أية جهود قصيرة الأثر، تحاول هدرا إيقاف الانخفاض في الأسعار المتضخمة، وهو الأمر الواجب أن تدركه مؤسسة النقد "ساما" على أعلى مستويات الإدراك والأهمية، لما يمثله خطر انكشاف القطاع التمويلي على حالات تعثر محتملة خلال الأعوام القليلة المقبلة "تعد في الفترة الراهنة معدلات متدنية"، وما يحمل معه من مخاطر عالية جدا على استقرار كل من القطاع التمويلي والاقتصاد الوطني، لا يعلم حجم مخاطرها إذا وقعت ـــ لا قدر الله ـــ ولا يمكن أيضا التعامل معها وفق الظروف الاقتصادية والمالية غير المواتية التي يمر بها الاقتصاد الوطني خلال الفترة الراهنة ومستقبلا. أخيرا، يظل أفراد المجتمع الباحثون عن تملك مساكنهم الرقم المهم في المعادلة، سلاحهم الأهم هنا هو الوعي بمخاطر التورط في تحمل أعباء قروض هائلة لأكثر من 20 عاما، لقاء شراء أصول عقارية تتهاوى أسعارها خلال المرحلة الراهنة، وأهمية اتخاذ القرارات في هذا الشأن بما يكفل لهم استقرارا ماليا مستداما، الحصول في الوقت ذاته على أصل عقاري أو مسكن لن تتهاوى قيمته السوقية كثيرا بعد نشوء القرض العقاري عليه، وأن توقيت الشراء قد يكون مناسبا جدا بعد هدوء موجة هبوط الأسعار التي تشهدها السوق العقارية في الوقت الراهن، وترقب انعكاس القرارات والإجراءات الحكومية الأخيرة على استهلاك موارد الطاقة وغيرها. والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي