«باسينجرز» .. أن تستيقظ قبل الآخرين بـ 90 عاما

«باسينجرز» .. أن تستيقظ قبل الآخرين بـ 90 عاما
تظهر في الفيلم عبارات عميقة تمزج بين السعادة والحاجة إلى الآخر.
«باسينجرز» .. أن تستيقظ قبل الآخرين بـ 90 عاما
إيرادات الفيلم وصلت إلى 66 مليون دولار خلال أسبوعين من بدء العرض.

لا يمكن لعشاق السينما إن كانوا من محبي أفلام الخيال العلمي أم لا إلا أن ينحنوا تقديرا لعمل مميز انطلق في شهر ديسمبر 2016، محققا إيرادات وصلت إلى 66 مليون دولار خلال أسبوعين من بدء العرض، ويعد فيلم الركاب (passengers) نموذجا مميزا تم فيه مزج المغامرة والخيال العملي والرومانسية بطريقة مشوقه، ناسفا أي اعتقاد ينص على أن أفلام الخيال العلمي هي تلك التي تتعلق بالمركبات الفضائية والسفر لخارج المجرة والصراعات بين الكائنات ذات الأذرع والأعين الكثيرة، ومؤكداً أن الخيال العلمي أصبح أكثر رقيا مما كان عليه.
تدور أحداث الفيلم في مركبة فضائية تدعى «آفالون» تحمل 5000 مسافر و259 من طاقم السفينة، تتجه إلى مستعمرة كوكبية تسمى «هومستيد2» في رحلة تستغرق 120 سنة بتوقيت كوكب الأرض، ويتم فيها وضع جميع مسافري وطاقم السفينة في وضع من السبات العميق لا يستيقظون منه إلا قبل الوصول لوجهتهم بقليل، حيث يتم إيقاظ طاقم السفينة أولا قبل الوصول بعدة أشهر، ويعمل الطاقم على إيقاظ باقي المسافرين لاحقا، بعد تجهيز السفينة لاستقبالهم ومعيشتهم.

خطأ «الصحو»

تحتوي السفينة على آلاف من حجيرات السبات العميق المصفوفة بعناية ومربوطة بالكمبيوتر المركزي لمراقبة إشارات المسافرين والطاقم الحيوي، والعناية بضخ الغذاء والأكسجين لدمائهم وكذلك تدليك عضلات أجسادهم، يتم وضع المسافرين في تلك الحجرات على الأرض قبل إقلاع السفينة عبر أجهزة وترتيبات خاصة، والمفترض ألا تنفتح أي من تلك الحجرات قبل مرور 120 سنة من السفر عبر الفضاء.

وبعد 30 عاما ونتيجة خطأ تقني تنفتح حجرة الراكب «جيم بريستون الذي يلعب دوره الممثل كريس برات» وتبدأ مضيفة افتراضية تظهر كهولوجراف في الهواء في إرشاده لما سيقوم بعمله، تطمئنه أنه سيعاني قليلا من غثيان ودوار ما بعد السبات العميق، وترشده إلى حجرته التي تبدو مثل حجرة فندق فاخرة، حيث تنصحه بالراحة وبشرب الكثير من السوائل.

وحينما يستيقظ جيم بعد نوم عميق تظهر له المضيفة مرة أخرى، وتخبره أن عليه التوجه إلى غرفة أخرى لحضور محاضرة تدريبية حول أساسيات العيش في مستوطنة هومستيد 2، يذهب جيم إلى قاعة المحاضرة حيث لا يوجد غيره، وتبدأ سيدة أخرى، هولوجرام أيضا، في إلقاء المحاضرة موزعة انتباهها بين حضور وهمي، يفهم جيم أن شيئا خطأ يحدث، فيسأل السيدة، التي تتمتع بذكاء اصطناعي يتيح لها فهم الأسئلة والرد عليها، عن سبب عدم وجود باقي أفراد مجموعته. يصاب بالرعب، يدور في جميع أنحاء السفينة الشاسعة بحثًا عن أي شخص، يصرخ ويطرق على جميع الأبواب بلا مجيب. يدرك جيم الكارثة، لقد استيقظ قبل الجميع بـ 90 سنة كاملة!

يحاول جيم بشتى الطرق إصلاح حجيرة السبات الخاصة به والعودة مرة أخرى للنوم، إلا أنه يفشل في ذلك، يحاول الاتصال بالأرض لكنه يدرك أن الاتصال سيستغرق عشرات السنوات ليصل للأرض وليستقبل ردا. يشعر بالضياع التام.

رسالة الفيلم

وهنا تظهر رسالة الفيلم التي تركز على عدم قدرة البشر على العيش في انعزال تام عن المجتمع، مهما توافرت سبل الترفيه والراحة، حيث تحتوي السفينة على كل ما يتمناه أي فرد من تسهيلات وترفيه إلا أن جيم ظل يبحث عن أحد يؤنس وحدته، يلتقي جيم روبوتا ذا مظهر بشري يدعى «آرثر ويلعب دوره الممثل الإنجليزي مايكل شين» يقف في مقهى السفينة، ويبدأ في مباشرة العمل وتلميع الكؤوس وإعداد المشروعات بمجرد إداركه أن أحدا استيقظ. يلعب مايكل شين دورا معقدا للغاية، الروبوت ذو الذكاء الاصطناعي المتقدم الذي يفترض أن يتعاطف مع أزمة جيم ويخفف من روعه، هذا على الرغم من إمكانات الروبوت المحدودة التي مهما تطورت لن تبلغ أصالة العطف والحب البشري.

إلا أن شين يقدم الدور بذكاء شديد جدا، ويستعيض عن نقص إمكانات التعاطف بحس فكاهي راقٍ للغاية، ربما كان شين أفضل من لعب دور الروبوت الذكي المرح في تاريخ أفلام الخيال العلمي، أفضل كثيرًا من «جارفيس» في Iron Man، ومن «أندرو مارتين» في Bicentennial Man، ومن «تارس» في Interstellar.

التأقلم مع الواقع

ينصحه آرثر بأن يعيش حياته قليلا، ويشغل نفسه بالإمكانات المذهلة الموجودة على السفينة، وبالفعل يبدأ جيم في استكشاف أجزاء السفينة، هنا يأخذنا المخرج «مورتن تيلدام» الذي سبق وقدم قصة حياة مخترع الكمبيوتر آلان تورينج في فيلم The Imitation Game، في رحلة بصرية رائعة داخل البناء المعماري المذهل للسفينة، الذي تم تنفيذه بشكل مبهر ليمثل تجربة رفاهية لا تنسى للمسافرين عبر متن السفينة في حال استيقاظهم. يستكشف جيم المطاعم وحمامات السباحة والأجنحة الفندقية الفاخرة والنوافذ الزجاجية الضخمة المطلة على عظمة الكون بالخارج، وكل ذلك متصل بأجهزة الذكاء الاصطناعي طول الوقت.

#2#

يمضي جيم عاما كاملا على متن السفينة، وفي كل يوم يحكم اكتئاب الوحدة قبضته على روحه ليختنق جيم ببطء، ولا يهون عليه كونه مسافرًا على متن واحدة من أعظم معجزات البشر التقنية، ولا تسليه مشاهد الكون الرائعة التي يتطلع إليها من حين لآخر بعد أن يلبس ملابس الفضاء ويخرج خارج السفينة ليسبح في الفراغ مراقبا النجوم والمجرات والسحب النجمية بألوانها المذهلة التي لا يضاهيها أي مشهد على الأرض.

إيقاظ أورورا

يمر جيم يومًا بجوار حجيرة السبات الخاصة بإحدى المسافرات، ينظر إلى ملامحها الملائكية من خلال الغطاء الزجاجي الشفاف للحجيرة، يطالع معلومات عنها من الشاشة الصغيرة المجاورة، ويعلم أنها كاتبة وصحفية. تشغل الفتاة «أورورا لين تلعب دورها الممثلة جينيفر لورانس» الحائزة على جائزة الأوسكار، تفكير جيم، يظل أيامًا طويلة يقرأ كل أعمالها المتوافرة على الإنترنت. تجتذبه شخصيتها وطريقة تفكيرها.

هنا ينقلب مسار الفيلم، مع تفكير جيم في إيقاظ أورورا لتؤنس وحدته المفروضة عليه خلال عشرات السنين المقبلة، يحاول جيم منع نفسه مرارا خلال أيام طويلة من تنفيذ الفكرة، إلا أنه يفشل. يكاد ينتحر ذات يوم بإلقاء نفسه في الفضاء دون الاحتماء بالبذلة الفضائية، لكنه يمتنع في آخر لحظة.

يصل جيم إلى نقطة عدم الاحتمال، إما أن ينتحر أو يوقظ أورورا. وبالفعل يوقظ أورورا، لكنه لا يخبرها أنه أيقظها، وأنّ عطلا ما بالسفينة أيقظه وأيقظها هي الأخرى من السبات الآلي.

تمضي باقي أحداث الفيلم في محاولة جيم وأوروا تجاوز فكرة إمضاء حياتهما الباقية على السفينة فقط بصحبة آرثر ولا أحد غيره، ثم يبدو أنهما تجاوزا ذلك، بروحهما المغامرة التي أتت بهما لهذا المكان في الأصل، روح المخاطرة واستكشاف المستحيل، ويقعان في غرام بعضهما بعضا، وتظهر في هذه المرحلة من الفيلم قوة السيناريو الذي كتبه جون سباهتس، حيث تحاول أورورا تكملة كتابها، فتظهر العبارات العميقة التي تمزج ما بين السعادة والحاجة الى الآخر.

لكن هذه السعادة سرعان مع انقلبت الى كآبة عندما اكتشفت أن جيم هو من أيقظها ولم يكن الأمر خللا تقنيا، فبدأت المعركة بينهما وظهرت هنا شخصية رابعة في الفيلم وهي شخصية ربان السفينة غاص الذي يلعب دوره الممثل لورنس فيشبورن، ويكتشف الثلاثة أن ضغط هائل على مفاعل الاندماج الخاص بالسفينة يؤدي إلى أعطال كثيرة وأن باقي الركاب معرضون للإيقاظ أيضا، فيحاولون الإسراع في إصلاحها والحفاظ على السفينة، فهل سينجحون معا في إنقاذ الركاب؟

الأكثر قراءة