قصة إنسانية في الحديقة
حين قررت مع أبنائي أن نخرج في نزهة قصيرة لحديقة الحي التي اعتدنا الخروج إليها دائما لم أكن أتوقع حينها أني سألتقي امرأة بائسة جعلتني في حيرة من أمري لأيام متتالية إلى أن قررت أن أحكي حكايتها!
فرشنا "فرشتنا" ورتبنا أغراضنا وسارت الأمور كالمعتاد، إلى أن جلست بجوارنا أسرة صغيرة مكونة من رجل في نهاية الـ 60 من عمره وامرأة تقاربه في العمر وأخرى في العشرينات وطفلتين في الرابعة والخامسة من عمريهما، جلس الرجل والفتاة الشابة على كرسيين، بينما المرأة العجوز جلست على الأرض مع الطفلتين، واستغربت من ذلك ولكن زاد استغرابي حين رأيت الطفلتين تجذبان يدي المرأة حتى تصحبهما لشراء "فشار وعصير" من البائعات، فقامت بصعوبة من الأرض وكانت تعرج في مشيتها، بعدها بفترة عادت الطفلتان لتجذبا يديها من جديد حتى تصحبهما عند الألعاب، وكم ذهلت حين سمعت الرجل ينهرها بقسوة وهو يأمرها بالذهاب معهما، وددت لحظتها لو صرخت بوجه ابنتها الشابة العاقة وهذا الأب الذي يرى زوجته العجوز ومشيتها المتثاقلة ولا مبالاة ابنته ورغم ذلك يقسو عليها، شيء من الرحمة والشفقة تحرك في داخلي ناحية هذه المرأة العجوز، فذهبت إليها وهي تقف بجوار الألعاب لأطيب خاطرها، وحين بدأت في سرد معاناتها ذهلت وتمنيت لو أني لم ألتقها!
تقول "هذا الرجل زوجي وهذه الشابة هي ضرتي، وهؤلاء بناتها، وهي من جنسية عربية، لم أنجب ذرية، وحين تزوج منها جعلني مجرد خادمة لها ولبناتها، مشكلتي أن صحتي لا تساعدني وأخشى أن أتذمر أو أعترض فيطلقني ولا أحد لي في هذه الدنيا سوى أشقاء أنا واثقة لو أخبرتهم بمعاناتي لوقعوا تحت ضغط زوجاتهم وتسبب لهم المشاكل وهم أصلا لن يساعدوني في كل الأحوال، كل الأبواب يا ابنتي موصدة في وجهي، ليس لي أحد.. وليس أمامي إلا الصبر والدعاء".
- ظلت صورة هذه المرأة العجوز راسخة في عقلي تدفعني إلى تساؤلات مؤلمة، إلى أين وصلنا في علاقاتنا الإنسانية؟
- كيف يمكن لزوج أن يرضى الذل والهوان لرفيقة درب شاركته الحياة 45 عاما؟
- هل أصبح الأشقاء مجرد أرقام وأسماء في بطاقة العائلة؟!
كانت مرارة كلماتها تمتزج بقسوة واقعها وخيبة أملها بزوج لم يصن العشرة وأشقاء لم تتحرك النخوة في قلوبهم!
وخزة
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم".