ألم يأنِ لمنظماتنا أن تدرك خطورة أجهزة البصمة؟
ناقشت موضوع البصمة من قبل وحذرت في حينه من الأضرار الصحية والإدارية والتنظيمية على منظمات الدولة وقطاع الأعمال والأفراد. ورغم أن الوعي بخطورتها أصبح ظاهرا والإدراك بعواقبها متناميا من قبل مؤسساتنا إلا أننا مازلنا نرى تسابق مؤسسات الدولة والقطاع الخاص في تطبيق البصمة الإلكترونية خصوصا في توثيق حضور وانصراف الموظفين تمهيدا لهجر الطريقة التقليدية ويرون أنهم بفعلتهم هذه قد أتوا بما لم يأت به الأوائل.
وأنا هنا لا أريد أن أكرر ما ذكرته من قبل ولكنني سأتطرق إلى المستجدات التي ظهرت في هذا المجال والأضرار الناتجة عن تطبيق البصمة الإلكترونية وبعض الحيل التي يقوم بها الموظفون لتعطيل عمل جهاز البصمة لعل المكابرين يعودون إلى صوابهم والمغفلين يدركون أخطاءهم ويعلمون أن دخول التقنية كأداة رقابية لا يليق أبدا بموظفي الدولة وأن تطبيق الأساليب الإدارية المؤصلة في مجال الإدارة والأعمال أصبح أمرا حتميا لا مناص منه.
أكدت هيئة المواصفات والمقاييس ـــ حسب ما نشر في صحيفة "الاقتصادية" ـــ أن الأجهزة التي تستخدم في رقابة حضور وانصراف موظفي الدولة غير مفسوح لها، لذا لجأت بعض الجهات إلى تجاهل ذلك ولم تجد تقارير الهيئة اهتماما يذكر فقامت بتشريع عمل جهاز البصمة باعتمادها على تقارير من جهات غير مخولة بتقييم الوضع كأقسام الفيزياء في الجامعات. كما حذّر أطباء الجلدية من خطورة استخدام بعض الوزارات والإدارات الحكومية والمنشآت الخاصة أجهزة البصمة الإلكترونية عن طريق أخذ بصمة اليد بالكامل أو الإبهام لإثبات حضور وانصراف الموظفين في دوامهم الرسمي. وبيَّن الاستشاريون في الأمراض الجلدية أن أجهزة البصمة تسبب الإصابة بالسرطان إضافة إلى الأمراض الجلدية الأخرى نتيجة نقل الجراثيم مثل الدمامل والفطريات من الموظفين المصابين بهذه الأمراض إلى الموظفين الأصحاء. كما ثبت طبيا أن هذه الأجهزة الإلكترونية تنقل حساسية تلامسية إضافة إلى فطريات اليد والدمامل، بل قد يتعدى ذلك إلى نقل أمراض خطيرة مثل الجراثيم البكتيرية إذا كانت في الأصبع.
كما أشار عدد من الأطباء والمختصين أيضا إلى أن هذه الأجهزة تصدر أشعة وتحدث طفرات للحمض النووي DNA الذي تنتج عنه عيوب في المواليد مثل مرض داون ومرض تيرنر كما أن هذه الأجهزة تطلق أشعة X–RAY وبالتالي تتعرض لها اليد دون واق يحمي من الإصابة. وألمح الأطباء إلى أن ضرر هذه الأجهزة سيحدث في المدى البعيد أو القريب لأن الموظف يتعرض لها عشرات المرات في الأسبوع أي ما يقارب 40 مرة في الشهر هذا إذا كان يقوم بالتبصيم مرتين يوميا، ولكن هناك إدارات أخرى تجبر الموظفين على توثيق حضورهم بالبصمة عدة مرات. كل هذه البيانات منشورة في صحفنا المحلية نسختها كما هي دون زيادة أو نقصان.
ووفقا لمثل هذه التقارير قامت بعض الأجهزة الحكومية بإلغاء نظام البصمة فورا بعد أن ثبتت لديها خطورة هذه الأجهزة على صحة موظفيها وهذا تصرف سليم ووعي يشكرون عليه، إلا أن البعض الآخر لا يزالون يكابرون مستمرين في التطبيق رغم تأكدهم من عدم جدواها حيث لا تزال بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها تواصل أعمالها في تطبيق هذا النظام العقيم، بل وتتسابق في اللحاق بالركب. وأظن أن هذه المنظمات التي تعاند وتكابر لن ترضخ إلا برفع قضية عليها لدى ديوان المظالم للمطالبة بإلغاء هذا النظام الجائر مدعمين مطالباتهم بالتقارير الطبية وتصريحات هيئة المواصفات والمقاييس.
والأضرار الصحية ليست هي الناتج الوحيد من تفعيل عمل البصمة فهناك أضرار غير منظورة تمس مشاعر ودوافع القوى العاملة في المنظمات ما قد يؤثر في إنتاجيتهم وقلة ولائهم للمكان الذي يعملون فيه بسبب سخطهم من الطريقة البوليسية في الرقابة ونظرة الريبة والشك من قبل الإدارة العليا في تتبع خطواتهم وتسخير التقنية في رقابة حضورهم وانصرافهم. حيث كان بإمكانهم تكييف بيئة العمل علي احترام شخصية الموظف، وتوقع الحسن والعمل الجيد منه والمواظبة والالتزام. هناك طرق عدة وأساليب متعددة كان بالإمكان توظيفها لربط الموظفين ببيئة العمل دون المساس بمشاعرهم وترقب عثراتهم وتسجيل تحركاتهم. عندما تم تطبيق هرم "ماسلو" للحاجات على نظام الحوافز في المنظمات اعتبرت الرقابة الذاتية من حاجات تحقيق الذات التي تقع في قمة الهرم كتفويض السلطة والمشاركة في اتخاذ القرار، لذا يجب الاستفادة من هذه الخاصية البشرية في التخلص من الطرق العتيقة للرقابة كإثبات الحضور والانصراف كتابيا أو إلكترونيا واستبدالها بالرقابة الذاتية.
كما أن المنظمات التي طوعت التقنية لرقابة موظفيها تظن أنها أحكمت قبضتها على تسرب الموظفين خلال ساعات العمل إبان أوقات الدوام الرسمي وأنه بضغطة زر على جهاز البصمة سيعرفون جميع المعلومات عن تحركاتهم غير مدركين أن هناك أساليب وطرق احتيال يمارسها الموظفون بل والموظفات أيضا ينشرون بعضها ويحتفظون سرا بكثير منها. الموظفون والموظفات لهم آلياتهم ووسائلهم التي يستخدمونها عند الحاجة إلى تعطيل أجهزة البصمة دون علم الجهات الرقابية وإدارات المتابعة في أجهزة الدولة والقطاع الخاص وهذا موضوع متشعب ومتشابك يحتاج إلى وقف لعلنا نفصل فيه في مناسبة مقبلة ـــ إن شاء الله.