default Author

عدم الرد

|
لا أستطيع أن أحترم أي شخص يتصف بـ «عدم الرد». عدم الرد يدل على أحد أمرين: إما صفة الإهمال وإما شعور اللامبالاة. الأول يتعلق بالشخص ذاته وبسلوكياته وطبعه حيث لا يحرص على متابعة مسار التواصل مع الطرف الآخر. وكثيرا ما تصاحب هذا السلوك صفة الالتواء وقلة الصراحة، حيث لا يمكنه إعطاء رد مباشر وصريح في أغلب (أو جميع المسائل). الآخر هو اللامبالاة أو التجاهل المتعمد. هذا التصرف قد نمارسه لسبب معين مثل تجاهل رسائل متكررة أو تفادي شخص غير مرغوب فيه، لكن في حال تكرار التجاهل قد يتحول إلى صفة سيئة تلتصق بصاحبها. مع الأسف، يكثر عدم الرد في ثقافتنا الشخصية، فكثيرا ما ترسل رسالة طلب لقاء أو سؤال محدد لا يجيبك الطرف الآخر فتضطر للاتصال، ومن العادي جدا والمتكرر أن يقول لك "آسف انشغلت تماما أو كنت أنوي الرد على رسالتك" أو أي رد من هذا القبيل. ومن الناحية الفردية قد تتقبل وجود شخص "لا يرد" في حياتك لكن على المستوى المهني فالسلوك غير مقبول بتاتا. فمهنيا، عدم الرد ينتشر في كثير من الأماكن والثقافات، ورأيته منتشرا من خلال تعاملاتي على مدى أكثر من عشر سنوات. فمثلا عندما ترسل إيميل استفسار متعلق بعمل على عنوان الشركة أو المنشأة العامة فالمتوقع (مع الأسف) ألا يأتيك رد فتفضل الاتصال الهاتفي. والأسوأ أنه في أحيان كثيرة لا يتم الرد على الرقم العام أو المجاني فتجد نفسك مضطرا للاحتفاظ برقم جوال أحد الموظفين لتتم خدمتك أو الرد عليك. وكثيرا ما ينبعث "عدم الرد" من عدم الرغبة في إتمام صفقة أو عقد اجتماع أو لقاء بين الطرفين، وهنا من المهم إعطاء رد مباشر حتى دون إبداء سبب محدد. ومن اللائق رفض عقد اجتماع بأسلوب لبق ومهذب لأسباب خاصة (أو دون أسباب) وهناك كثير من المواقع التي تساعد في صياغة رسائل الرفض المهذبة، لكن ترك الرسالة دون رد فهو درجة دنيا في سلم المهنية، ويلصق بصاحبه (فردا أو منشأة) سمعة سلبية وينفر الطرف الآخر وقد يضيع فرصا مهمة. وفي المقابل فالرد الواضح السريع يترك انطباعا فوريا بالثقة والمصداقية ويحسن سمعة المنشأة ويزيد من فرص التعامل معها. ويستثنى من الحديث الرد على الجماهير بشكل سريع أو فوري فهذا موضوع آخر. لكن في السياق نفسه تجد الرد على الجمهور يرفع من شعبية الشخصية بشكل صاروخي. ويلخص أحد خبراء الإدارة ڤيكتور ليمان Victor Lipman في كتابه The Type B Manager. أسباب عدم الرد في ثلاثة أمور: أولا- وفرة وكثرة الرسائل المتداولة وازدياد قنوات التواصل ما يجعل مهمة الرد عليها شاقة ومستهلكة للوقت. ثانيا- تعدد المهام التي نقوم بها في آن واحد مثل كتابة "بوست" في فيسبوك أو الرد على اتصال أو الرد على رسالة واتساب ما يؤدي إلى فقدان بعض الرسائل المهمة. ثالثا- التكاسل في الإجابة عن الرسائل التي لا تتضمن سؤالا أو استفسارات محددة وبالتالي من الأسهل تجاهلها. من ناحية أخرى، نشأ كثير من التطبيقات الخاصة بتصنيف الرسائل والإيميلات بحسب الأهمية حيث تساعدك في إدارة الوقت وتجنب ما لا يهم. والخلاصة أن "عدم الرد" هو خاصية وتصرف سلبي قد نحتاج إليه في بعض الأحيان لكن تكراره يتحول إلى صفة سيئة فرديا ومجتمعيا ومهنيا.
إنشرها