Author

أمجاد الغامدي .. حبيبة العلوم

|
.. الوقوع في غرام الكون الشاسع وعلومه ليس جديدا، تقول الأسطورة الصينية إن شابا عشق الكون فرفع رأسه لقبة السماء ثم أنه لم ير الأرض بعد ذلك، ولما مات تحول شهابا يشرق على قريته كل عام. لقد وقع العرب الأوائل في غرام الكون وسموا نجومه ومواقع كواكبه، واعتمدوا على أجرام السماء ليعبروا الفيافي والقفار، ووقع البحارة العظام في غرام الكون حتى أن لأحمد بن ماجد الكشاف البحري العظيم قصيدة يسرح بها في حب الكون ويشرح مسالك البحر عبر النجوم. وماركو بولو الإيطالي الرائد أول أوروبي يقطع طريق الحرير الأسطوري من البندقية إلى باكينج، له سوناتا مغناة عن عشقه للنجوم في قبة السماء. واستمر هذا الحب حتى وصل إلى شاب أمريكي من وست فرجينيا اسمه معروف بين علماء الكون الرومانسيين وهو فرانك درايك، الذي انقطع متصوفا في الفضاء مع تلسكوب هائل في قياسات الخمسينيات وأوائل الستينيات وهمه الأوحد أن في هذا الكون فضائيين يريدون الاتصال بنا، ولكن ليس كما تصوره أفلام هوليوود بأنهم جبابرة مهددون لكوكب الأرض، بل كان يؤمن أن الكون قلب شاسع منتظم الخفقات، ومتسق الأداء وأنه يضم فضائيين غيرنا يعمرهم هذا الحب. وهو أول من أسس وكالة لتتبع الفضائيين وما زالت الوكالة تعمل لا يحركها إلا الحب المنقطع لأنها طيلة السنين لم تكتشف شيئا إلا أصوات بموجات تأتي من أعمق أعماق المجرات. كما أن الرومانس ينتقل لأجرام الفضاء نفسها بفعل التجاذب، أو ليس التجاذب حبا فنقول انجذبنا لفلان أو فلانة، الجاذبية فعل فيزيائي مادي ولكنه يحمل في ضميره الانجذاب الذي يتحدث عنه المحبون والعشاق. فانظر, إن الأرض والقمر متجاذبان متحابان في مدارت مرسومة ويتبادلان أجمل بوادي الحب تأثيرا في بعضهما من النور إلى حركة البحار، واستواء القمر مع حركة الأرض.. وتخيل لو أن عذولا وقف بين متحابين لأفسد العلاقة، كذلك لو أن جرما فضائيا ثالثا دخل يبن الأرض والقمر لفلتا من جاذبيتهما وغارا في متاهات لا نهائية. ولكن أن تتحدث بنت صغيرة في المرحلة الثانوية هي أمجاد الغامدي عن رومانسية الكون، بل رومانسية العلم كله فأمر طيَّر سقف مخي وذلك في المسابقة المتألقة "أقرأ" التي تقيمها "أرامكو السعودية" بإشراف مركز الملك عبدالعزيز الثقافي "إثراء" متنافسة في الجولة الأخيرة مع آخرين وأخريات. صمت المسرح الضخم والصغيرة أمجاد تصر أن علم الكون لا يخلو من الرومانسية، وأن العلوم كذلك، وصدقت. فالفارابي ذاب حبا في العلم النبيل وهو علم الرياضيات، ولما صرت أقرأ الكتب عن الرياضيات خارج الدراسة وقعت في حب هذا العلم وكتبت عنه مرارا، وهناك كتب كثيرة تتحدث عن رقة وجمال فلسفة الرياضيات والدليل أن أكبر فيلسوف رياضي في العالم في القرن الماضي بيرتراند رسل، كان في الوقت ذاته أكبر دعاة السلام. وتلميذه العربي فيلسوف الرياضيات زكي نجيب محمود، أفضل من كتب عن السلام والوئام بين تراثنا العربي والعلم المعاصر الغربي. فازت الفتاة الصغيرة حبيبة العلوم والكون بالجائزة الأولى في مرحلتها ولا عجب، وأظن، بإذن الله، أن مستقبلا باهرا في العلوم ستصنعه أمجاد الغامدي. لم أقل لكم عما قاله جابر بن حيان لما سئل: أيهما تحب أكثر المرأة الجميلة، أم الكيمياء؟ أوه.. انتهت مساحة المقال!
إنشرها