برحة القزاز .. وذكريات جميلة
أمضيت أسبوعين في ربوع الطائف المأنوس حيث الخضرة والماء والوجوه الطيبة ولم أشعر بأي ملل مع أن من عادتي تقديم حجز العودة بعد قضاء عشرة أيام في أي مكان مهما كان جمال ذلك المكان على امتداد الكرة الأرضية. أمضيت أسبوعين بين السهل والجبل في جو يميل إلى البرودة في أعالي الشفا والهدا وإلى الاعتدال في وسط مدينة الطائف التي أرتاح فيها ليلا وأزور الجبال نهارا فقط وهكذا يفعل كثير من الناس بينما يفضل البعض السكن في أعالي الجبال (وللناس فيما يعشقون مذاهب) .. واستعدت في الطائف ذكريات قديمة يوم كنا نذهب هناك وقت إعلان موازنة الدولة وكنت يومها أعمل في وزارة المالية مسؤولا عن الإعلام .. وكان بدر كريم (يرحمه الله) يأتي فنغلق عليه غرفة في فندق العزيزية المطل على (برحة القزاز) ليسجل بيانات الموازنة وأرقامها المحاطة بسرية كبيرة. ويؤكد علينا الشيخ محمد أبا الخيل وزير المالية آنذاك بأن لا يتسرب أي تلميح عنها، وكم من مرة تعرضت صحيفة للمساءلة لأنها نشرت توقعات لرقم الموازنة الإجمالي!
بعد هذه المقدمة أعود للحديث عن السياحة الداخلية لأقول إن مقومات النجاح موجودة وواضحة، ليس في الطائف فقط وإنما في مناطق عديدة من بلادنا.. طبيعة جميلة وأجواء منعشة. وأهم من ذلك كثافة سكانية مدعومة بقوة شرائية تضمن نجاح أي فعاليات. ولقد قابلت بعض الآباء ممن عاد لتوه من رحلة سياحة خارجية فأكمل الصورة لدى عائلته وعليهم الاختيار في العام القادم، مع أنه لا بأس أن تجزأ الإجازة بين الداخل والخارج فلا أحد يعترض على حرية الاختيار وإنما الأمنية أن يكون للسياحة الداخلية نصيب يمكن الأجيال الجديدة من معرفة مناطق بلادهم التي يتمنى كثيرون من حولنا أن لديهم هذا العمق والتنوع في بلدانهم. وللحق أقول إن تطورا ملحوظا قد حدث في المرافق السياحية في الطائف فمنطقة الردف التي كانت عبارة عن صخور سوداء وغبار يثور حولها كل ما تحركت الريح أصبحت حديقة خضراء مساحتها 565 ألف متر مربع ونوافير ملونة تضاهي نوافير دبي الشهيرة. والمؤمل أن تحافظ أمانة الطائف على هذه الحديقة لكي لا تصبح كحديقة الملك فهد التي أصبحت في وضع لا يسر من حيث انعدام النظافة ودمار المساحات الخضراء وانتشار البائعين المتجولين الذين يفسدون على المتنزهين خصوصيتهم.
وأخيرا: لا بد من الإشارة إلى (برحة القزاز) التي طورت أسواقها الشعبية وميادينها لتصبح كما هي في مدن إيطاليا. وهذه نتيجة رحلة أمناء المدن التي نظمتها الهيئة العامة للسياحة إلى إيطاليا وبعض الدول للاطلاع على تلك اللمسات الجميلة. ويبقى بعد ذلك أن أقول إن كلمة السر في نجاح أو فشل السياحة الداخلية هي النظافة فالمنتزهات في الهدا والشفا والطائف وغيرها من المصايف تحتاج إلى رقابة صارمة على النظافة، والهيئة العامة للسياحة ووزارة البلديات هما اللذان يجب أن ينسقا بشكل أكبر وأن يكثفا جهودهما في موسم الصيف بالذات للمراقبة والعقاب على مستوى النظافة في أماكن الإيواء والمطاعم والشاليهات وفي دورات المياه بالذات فهي نقطة الضعف في جميع مرافقنا السياحية.