Author

جدولة القروض والإرشاد المالي الشخصي

|
تطورت اليوم الحلول التمويلية بشكل كبير حتى أن الواحد منا أصبح يحصل على سيارته ومنزله بالتقسيط والإيجار التمويلي ويتسوق وربما يخطط لاستغلال إجازته ببطاقته الائتمانية. وما زالت تطرح الحلول التمويلية لتصبح أكثر غزارة ما يجعل الفرد محاصرا في نهاية الأمر بين خيارات تمويلية هو مجبر على استخدامها، حسب وجهة نظره، في كل ما يراه ضروريا. تتحول الحلول التمويلية العديدة إلى التزامات دوامة من القروض ـــ التي كنا نراها عند الحاجة حلولا جيدة ــــ وتبدأ في محاصرتنا من كل جانب. وما يراكم المشكلة أن من يشعر بالقلق والتورط يبدأ في البحث عن الحلول بالاتجاه الخاطئ، مثل إعادة الجدولة وسداد المتعثرات بقروض أخرى. بعضهم يراها تأجيلا مباحا وهي ليست كذلك في معظم الأحوال، إذ تتمدد المشكلة لعدة سنوات أخرى وتتأثر حالته المالية سلبيا بفعل العمولات المتراكمة والتضخم وغيرها من العوامل. هناك مدخلان للنظر في هذه القضية، الأول يرتبط بتفادي حدوث التدهور بالتخطيط المالي المسبق، والثاني علاجي أي بعد حدوث التدهور المالي. مع الأسف نحن نواجه عجزا كبيرا في التعاطي مع علاج التدهور المالي وفي تفاديه من الأساس. الضغط الاقتصادي القادم سيجعل المشكلة أسوأ ونطاقها أعم، فالكثير من الخيارات الجديدة تقوم بطريقة أو بأخرى على المزيد من الاقتراض. الحلول الإيجابية الحقيقية التي تتمحور حول التوعية المالية والتصرفات المالية الرصينة موجودة ولكنها لا تزال هشة وفي مرحلة الحضانة. لنفترض أن أحد الأفراد ـــ موظف حكومي أو في القطاع الخاص ـــ وقع في مصيدة القروض المتعددة واحتاج إلى نصيحة مختص أو إلى مستشار مالي يقوم بإرشاده نحو الخلاص، عمليا لن يجد من يقدم له هذا الأمر. سيكون محظوظا لو وجد من يبعده عن إعادة هيكلة القرض بطريقة سيئة. مثل هذا لن يجد من يرشده إلى خيارات صنع المال والادخار والاستثمار المتاحة التي تسد الفراغات الحالية والمستقبلية في أجندته المالية الشخصية بشكل منضبط. عالميا، تمارس مهنة الاستشارات المالية الشخصية في كثير من الدول وتقدم دعم صنع القرار للباحثين عن خيارات مالية أفضل، تنضج هذه المهنة أكثر في الدول المتقدمة ضريبيا. في الولايات المتحدة هناك أكثر من 70 ألف مخطط مالي معتمد وهم لا يشكلون إلا جزءا بسيطا من مجتمع المستشارين الماليين والاستثماريين الذين يعملون بموجب أنظمة مختلفة حسب المجال. تنمو هذه المهنة في أمريكا بمعدل 30 في المائة وهو معدل عال يفوق متوسط نمو المهن الأخرى الذي يعادل 7 في المائة. ولا يختلف الأمر كثيرا من ناحية التشريعات والنضج في دول مثل بريطانيا وكندا وأستراليا. تقوم مهنة الاستشارات المالية الشخصية أساسا على عرض المنتجات الاستثمارية وبيعها، إلا أنها أصبحت منضبطة بمعايير وقيم متعارف عليها تضمن جودة الخدمات المقدمة للأفراد، حتى تطورت وأصبحت تقدم النصائح في أمور مثل قروض دراسة الأبناء والتخطيط للتقاعد وتفاصيل الوصية كذلك، ناهيك عن الأساسيات التي يجب الالتزام بها من البداية بوجود خطط ادخارية استثمارية وتمويلية وخطط للطوارئ تواكب المتغيرات الاقتصادية وتلائم مستويات المخاطر التي يمكن القبول بها. لسد الفراغ وتركيزا على تحديات الممارسات التمويلية الفردية، لماذا لا يتم تشكيل وحدات مجانية للإرشاد المالي الشخصي متخصصة فقط في التخطيط المالي وتحليل الخيارات التمويلية؟ وجود هذا الدور يساند عملية التجسير بين تحديات السلوكيات المالية في الوقت الراهن وبين طموح "الرؤية الوطنية" الذي يتطلع لرفع مستوى المسؤولية الشخصية والثقافة المالية بشكل جذري؛ تهدف الرؤية على سبيل المثال إلى رفع نسبة مدخرات الأسر بأكثر من 60 في المائة. أعتقد أن خطوة البداية تقوم على تعاون الوزارات ذات العلاقة للقيام بتأهيل مجموعة من الشباب والأدلة الإرشادية المتفاعلة ثم تفعيل قنوات التواصل بين هذه الوحدات الإرشادية وبين المعلمين والعسكريين وبقية موظفي الجهات الحكومية والقطاع الخاص وحتى رياديي الأعمال بشكل سهل وعملي. هذا الأمر لم يعد مناطا بالمصارف ولا يجب، فهو متسع وترتبط به اليوم الكثير من الجهات التمويلية العقارية والشخصية الخاصة والحكومية. يعد الوعي المالي الجيد أحد أفضل طرق تفادي النزاعات المالية وقد يوفر الكثير من الجهد الذي يبذل في المحاكم العامة والمتخصصة لحل إشكالات نشأت أساسا من سلوكيات مالية سيئة. حتى القروض الصغيرة والمخصصة للمشاريع التي تنمو بشكل قوي ومتجدد تنتهي بقصص الفشل والمديونيات. كثرة الخيارات التمويلية دون تهيئة معرفية ووعي ملائم لا تصنع حلولا تمويلية، بل توقع الباحث عن المسكن والتعليم والسيارة والمشروع الخاص في سلسلة من المشقات يتكبدها هو وأسرته، وتجهض الحلول التي يتم تصميمها من أجله.
إنشرها