هكذا علمتني الأيام «12»

أن تتعلم من الكتب
تولعت بأوسكار وايلد الكاتب الإيرلندي الغريب الأطوار منذ صغري، وأضعه، في رأيي، من أعظم كتاب الإنجليز قاطبة، خصوصا بعد تحرره لغته من الإنجليزية الوسيطة الكلاسيكية التي بدأ بتحريرها شكسبير، على أن "أوسكار وايلد" و"سومرست موم" الإيرلنديين و"إدجار ألن بو" الأمريكي الإنجليزي صعدوا باللغة الإنجليزية مضامير تعدت مقدرة شكسبير في التحول البنائي للغة. على أن أوسكار وايلد هو من قال إنه ليس هناك كتاب رديئ، مهما كان موضوعه، بل هناك كتاب كُتب بأسلوب رديء. ربما توافقون على هذا وربما لا، ولكن نرى كتبا بمواضيع منافية ويتمتع الناس بقراءتها للقدرة الأسلوبية للكاتب، وأوسكار لم يكن يكتب الكلمة بل كان يرسمها بريشة مغطوطة بمحبرة الخيال، وينقشها بإزميل النحت التصويري الخالب للذهن والبصر. كان رجلا سيئا أخلاقيا، وهذا له، ولكنه تمتع بسطوة حكمة قوية جعلت ملايين متكلمي الإنجليزية يرددون جمله، ويعتقدون أنها هكذا ولدت في أصل اللغة، وما هي إلا اقتباسات من أقوال أوسكار وايلد. حتى أنه الأكثر في التاريخ من اقتُبست منه الجمل. سأختار بعض اقتباسات منه وأعلق عليها من عندي.

المرأة خلقت كي تحَب لا لكي تُفهم
أؤمن لو أن كل رجل صدق بهذا القول لما صارت مشادة واحدة في الأرض بين زوج وزوجته، بين أم وأولادها، بين أخت وإخوتها، بين ابنة وأبيها.. مستحيل. المرأة كائن أكثر تطورا عاطفيا من الرجل وليس أقل، فجهازها العاطفي وحتى الفسيولوجي بالغ التركيب والتعقيد، لها عقل يوازي العقل الذكوري وقد تتعداه، والعكس صحيح. ولكن في مسألة التحسس العاطفي فهي مقياس ومؤشر للحب لا يمكن منافسته. فهي تغفر لأنها تحب، وهي تغضب لأنها تحب، نقطة آخر السطر. ولكن أن تغفر أو تغضب عاطفيا من أجل الحب ليس سهلا، إنه أكبر تعقيد كهربائي ميكانيكي كيماوي عضلي يمكن أن يحدث في لحظة واحدة لأي مخلوق على الأرض ومن بينهم الرجل. ولن تجد في الكون ترتيبات معقدة مثل ما يحدث في لحظة داخل امرأة. فالمرأة خلقت كي تُحب يقول أوسكار وايلد، والحكمة النادرة هنا أنه عكَس المسألة لأمر في غاية الإدراك الإنساني لعقلية وطبيعة الرجل. فالمرأة إن أحبت فهذه وظيفتها ولا غرابة في ذلك، فقلبها المتطور مربوط عاطفيا وعصبيا ونبضيا وتواصليا مع عقل أكثر تطورا، ولن تجد طريقك من خلال آلاف الدروب داخل هذه الأكمات من المشاعر والأفكار والخواطر للمرأة؛ لذا فقط الزم الطريق الأسلم لتصل سالما غانما سعيدا؛ فقط اكتف بحب المرأة، وبإذن الله نضمن لك أوسكار وأنا.. السلامة والسعادة.

الصديق الحقيقي هو الذي يطعنك.. من الأمام
ولم أجد قولا أجمل من هذا في حكمة التواصل والتعامل في العلاقات ولا كيفية التعبير الهائل الدقيق عنها. فعلا صديقك الحقيقي هو من يطعنك أمامك، أي من يؤلمك وهذا نتيجة للحكمة العربية التي تقول الصديق من أصدقك لا من صدقك. هناك أصدقاء نعاف أن نراهم لأننا نعلم أنهم سيطعنوننا من الأمام وهذه الطعنة مؤلمة وموجعة، فنتحاشاهم، ونهش لمن يزيف علينا فقط كي يفرحنا، ولم نكن نعلم أن من طعننا من الأمام إنما ليخرج رصاصة سامة من عيوبنا توغلت وكادت تصل أحشاء القلب، وأراد إخراجها بسكينه الحادة وإنقاذ حياتنا.. أو إنقاذ سلوكنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي