عبدالله العسكر .. رحل وفي داخله وجع من «جنون العالم»
ليسوا كغيرهم، حتى تنتهي حياتهم بمجرد غياب أجسادهم، بل تظل أرواحهم الذكية وأعمالهم الجليلة خالدة، خلود ذكرهم الحسن على ألسنة الناس أجمعين، إنهم زمرة العلماء والمفكرين، الذين فقدوا أخيرا، رجلا من رجالاتهم، ونبيلاً من نبلائهم، الدكتور عبدالله العسكر أستاذ التاريخ وعضو مجلس الشورى السعودي، الذي وافته المنية إثر تعرضه لحادث مروري في مصر أمس الأول.
#2#
رحل الدكتور العسكر عن دنيا الناس الفانية، لكن روحه الطاهرة تأبى إلاّ الخلود في أبحاث المختصين، محلقة فوق رفوف المكتبات السعودية والعربية، ذلك أن العلماء وأصحاب الفكر والرأي لا ينتهي وجودهم، ولا يُعدم أثرهم بالموت كعادة البشر، بل يرحلون وتبقى آثارهم.
عاش الدكتور العكسر يحمل آلام الأمة وآمالها، وتوفي وهو يتحسر على ما يمر بالعالم من أحداث سيئة وأوجاع، حيث كتب على حسابه الشخصي على "تويتر" قبل وفاته بيوم واحد وكأنه كان يستشعر قرب رحيله عن الدنيا: "توجعني أخبار الصباح، هناك جنون يطوف العالم، يبدو العالم رهينة ولم يعد أحد آمناً في أي مكان.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون".
#3#
ولد الدكتور العسكر عام 1952 في مدينة المجمعة؛ حيث ينتمي لأسرة كان لها تاريخها المشرف في خدمة بلدها منذ أيام الملك المؤسس، ودرس مراحل التعليم العام في المدارس الحكومية في بلدته.
وبرغم رغبته في الحصول على بعثة خارجية، إلا أن والده طلب منه الالتحاق بالعمل في إمارة المجمعة قبل أن يقنع والده بأن يعود لإكمال دراسته في الأدب، ومنها وبعد نصيحة من "الشيخ إبراهيم الحجي" وكيل وزارة المعارف آنذاك تحول إلى دراسة التاريخ بعد تردد بينه وبين الإعلام. وأيضاً ليدرس اللغة الإنجليزية كتخصص فرعي حيث كان النظام يسمح بذلك.
بعدها عين معيداً بالجامعة ثم ليحصل على طموحه مبتعثاً ملتحقاً في جامعة كاليفورنيا، وكان النظام المعمول به في دراسات الشرق الأوسط يشترط على الطالب دراسة ثلاث لغات حية كلغات بحث، أي دون اشتراط الإجادة التامة، فاختار الدكتور "العسكر" الفرنسية والفارسية إلى جانب العربية، ليحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كاليفورنيا عام 1985م تخصص تاريخ إسلامي والتاريخ الوسيط للجزيرة العربية.
أسس الدكتور العسكر وشغل عضوية عدد من اللجان العلمية مثل جمعية دراسات الشرق الأوسط في أمريكا، والجمعية التاريخية الأمريكية، والجمعية الجغرافية الأمريكية، واتحاد المؤرخين العرب في القاهرة، والجمعية التاريخية السعودية، والجمعية السعودية للآثار، وجمعية التاريخ والآثار في دول مجلس التعاون.
وعُيِّن الفقيد عضواً في مجلس الشورى اعتباراً من 3 / 3 / 1430هـ، كما أنه عضو في مجلس كلية الآداب ورئيس قسم التاريخ في جامعة الملك سعود، وله عديدٌ من الأعمال العلمية المختلفة من كتب وبحوث ومقالات باللغتين العربية والإنجليزية. وقدم الدكتور عادل الطريفي وزير الثقافة والإعلام، عبر حسابه الشخصي على «تويتر» تعازيه للثقافة السعودية وللأوساط الأكاديمية في وفاة المؤرخ الدكتور عبدالله العسكر عضو مجلس الشورى، كما بعث برقية إلى أسرة وذوي الدكتور عبدالله العسكر، معبرا عن تعازيه في فقيدهم.
حفل سجل الدكتور العسكر في المجال العلمي، بمؤلفات مهمة مثل كتاب الحالة الاقتصادية عند عرب الجنوب في العصر القديم. كما اشترك في تأليف كتاب أطلس التاريخ السعودي، واشترك في تأليف المؤلفات النادرة عن المملكة والجزيرة العربية، وكتاب تحقيب التاريخ الإسلامي، وكتاب تاريخ اليمامة في صدر الإسلام محاولة للفهم، وهو في الأصل أطروحة الدكتور "العسكر" للدكتوراه، صدر في طبعتين، وكتاب البعد الثقافي في حياة الملك سلمان بن عبدالعزيز.