الانتظار في الطوابير .. التكلفة والفوائد
أنا أحب الطوابير. وهذا لا يعني أنني أحب الوقوف في طابور - أنا ربما من أصول إنجليزية، لكنني لست إنجليزيا إلى هذه الدرجة. لكن من على مسافة مأمونة، تعتبر قوائم الانتظار أمرا رائعا. وتكون أقل متعة إذا تسببت في أن تفوتك رحلة طائرة. في منتصف أيار (مايو)، كان لصف الانتظار لمدة ساعتين أمام رجال الأمن في مطار ميدواي في شيكاغو ذلك الأثر تماما. عرض جيه جونسون، وزير الأمن الداخلي الأمريكي، هذه النصيحة التأملية للمسافرين: "خذوا في الحسبان أنه يمكن أن تطول أوقات الانتظار أثناء سفركم". أود أن أقدم لكم ما هو أفضل من هذا التفكر التأملي.
هناك ثلاثة منظورات مختلفة جدا تتعلق بالطوابير: المنظور النفسي، والهندسي، والاقتصادي.
يخبرنا المنظور النفسي أن كثيرا مما يجعل الطوابير غير سارة لا علاقة له بوقت الانتظار. إذا كان للطابور أية مخاطر (من قبيل ما إذا كنت تستطيع اللحاق برحلة الطائرة أم لا)، حينها يكون الأمر أكثر إجهادا وتوترا بكثير. وينطبق الشيء نفسه على الطوابير التي تتصف بالمواجهة وتكون غير عادلة، أو تتطلب مراقبة مستمرة لمن يتخطى الطابور، أو تتطلب افتتاحا مفاجئا لطوابير جديدة.
يمكن أن يكون الطابور المتعرج المنفرد، المأمون ضد حدوث أي غش، مكانا حضاريا تماما كي تقف وتتفقد البريد الإلكتروني، أو تقرأ كتابا بغلاف ورقي. مع القليل من الذكاء، ربما يكون الأمر ممتعا - كما في مدن الملاهي المصممة تصميما جيدا - أو يكون نسخة افتراضية غير مزعجة، كما هي الحال عند الحصول على تذكرة من كاونتر قسم الساندويتشات في السوبر ماركت والتسوق إلى أن ينادى على رقمك.
لكن هناك حدودا لهذا النهج النفسي. عندما عمل ثوران بركان Eyjafjallajökull في آيسلندا على إغلاق حركة النقل الجوي في جميع أنحاء أوروبا في عام 2010، وجدت نفسي في طابور للحصول على تذكرة القطار في محطة استوكهولم المركزية، جنبا إلى جنب مع كل شخص تقريبا في السويد. الحمد لله، كان لدور الانتظار نظام العد: ببساطة تحصل على التذكرة، وتنتظر دورك. جلست في مقهى، أحتسي قهوة الاسبرسو واستخدام كمبيوتري المحمول وأنا أنتظر دوري. لكن بعد مضي ثلاثة أرباع الساعة أجريت، بسعادة، بعض العمليات الحسابية العقلية، وأدركت أن الطابور سيستغرق 14 ساعة حتى يأتي دوري. في النهاية إن فاتك القطار، أو الطائرة لا يكاد يهم إن كان الطابور مكانا لطيفا في حد ذاته.
عندما يفشل علم النفس يجب على علم الهندسة تولي زمام الأمور. الطابور المهندس بشكل جيد ينسجم بأمان مع فترات تمتاز بارتفاع الطلب، ويوازن بين تكلفة الانتظار مقابل نفقات موظفي الخدمات الخاملين.
يتفهم مهندسو الطوابير أن هذه الطوابير يمكن أن تتسم بصفات غريبة. تخيل طابورا في مكتب بريد نشط. خلال فترة الهدوء في منتصف الصباح يصل تقريبا شخص واحد في الدقيقة الواحدة ويمكن تقديم الخدمة لشخص واحد في الدقيقة الواحدة. هذا الطابور سيكون متقلبا – ومع الأسف، لن يكون هناك أبدا رقم سلبي لعدد الناس الواقفين في الطابور - لكن يمكننا توقع أنه سيبقى طابورا قصيرا إلى حد ما.
وبعد ذلك، خلال فترة ساعة الغذاء، يصل المزيد من الناس ويبدأ الطابور بالامتداد - يبدأ بشخصين، ومن ثم أربعة، وخمسة ليصل إلى عشرة أشخاص. ومع تراجع حدة الاندفاع، تبدأ القدرة التشغيلية لمكتب التذاكر مرة أخرى بالانسجام مع تدفق العملاء: بحيث يصل شخص واحد في كل دقيقة، وتقدم الخدمة لشخص واحد في كل دقيقة.
ما يبعث على الإزعاج أنه على الرغم من أن قدوم الناس وخروجهم من الطابور مشابه للوضع الذي كان سائدا في الصباح، يكون هنالك نحو عشرة أشخاص في الطابور في فترة ما بعد الظهر. وسيبقى العدد كذلك حتى تصبح القدرة التشغيلية لمكتب البريد أكبر من تدفق العملاء. بمجرد أن يتشكل لدينا طابور طويل جدا، فإنه بحاجة إلى الانتباه وإلا فإنه سيطول إلى ما لا نهاية.
وهذا ينقلنا إلى المنظور الاقتصادي المتعلق بالطوابير. الطوابير تعتبر هدرا رهيبا للوقت وتفتقر إلى الكفاءة. إذا كان المصدر المنشود محدودا حقا، حينها فإن وجود الطابور يعني أنه دون سعره الحقيقي. إذا كان يتعين على كل شخص أن يدفع لينضم إلى الطابور، فسيكون الطابور نفسه أقصر، لأن بعض الناس يمكن أن يقرروا أنهم لا يريدون الاصطفاف في طابور. والذين ينضمون للطابور فعلا يمكن أن يستردوا مرة أخرى رسوم الدخول من خلال الوقت الذي تم توفيره، في حين أن الشخص الذي يبيع التذاكر للانضمام إلى الطابور يستطيع كسب بعض المال.
في حالات أخرى ينبغي أن يتسع نطاق القدرة التشغيلية ليبقى الطابور قصيرا. تخيل وجود طابور طويل جدا بحيث يمكن أن يدفع معظم المسافرين مبلغ 50 دولارا حتى لا يضطروا إلى الوقوف فيه - ربما هو وصف جيد للطوابير في مطار ميدواي التي تستغرق ساعتين. وتوظيف المزيد من موظفي الأمن الداخلي من شأنه أن يوفر إحباطا قيمته 50 دولارا لكل شخص إضافي يتفحصه مسؤولو الأمن في الطابور.
كم عدد الناس الذين يمكن لفريق الأمن الإضافي رصدهم؟ ربما شخص واحد لكل دقيقة؟ وبالتأكيد مبلغ 50 دولارا في الدقيقة سيسدد تكاليف الموظفين الإضافيين. المشكلة هي أن فريق الأمن من غير المحتمل أن يحصل على مبلغ الـ 50 دولارا. في عالم بديل، يمكن أن يحظى المسافرون بجولة قاسية، ويمكنهم توظيف عملاء أكثر، وسيسير الخط على ما يرام.
لكن في العالم الذي نعيش فيه، تظل الطوابير موجودة. وجزء من التكلفة يجري فرضه على الأجانب، الذين بالكاد يؤثر انزعاجهم في النظام. (وهذا صحيح بصفة خاصة في عمليات التدقيق على الهجرة). مثلا، في رحلة في الفترة الأخيرة من أمريكا الجنوبية إلى لندن، اخترت تغيير الطائرة في مدريد بدلا من ميامي لأنني تعرضت لتجارب فظيعة في ميامي. وهذا أمر سيئ بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، لكن العاملين على الشاشات الأمنية وموظفي الجمارك ومسؤولي الهجرة يستجيبون للإشارات السياسية وليس لإشارات السوق. من المحتمل أنه يكاد يكون من الصعب على النظام السياسي الأمريكي أن يكون منسجما مع رغباتي.
حين ننظر إلى الجانب المشرق في الموضوع، أسمع أن مطار ريجان الوطني، الذي غالبا ما يستخدم من قبل أعضاء الكونجرس أثناء سفرهم من وإلى واشنطن العاصمة، يعمل بصورة ممتازة.