«الرؤية» .. والإسكان

ندرك رغبة كل أسرة في تملك مسكن، ونؤمن بأهمية ذلك في تعزيز الروابط الأسرية. ورغم أن نسبة التملك الحالية تبلغ 47 في المائة، وأن عدد المواطنين في الشريحة العمرية الراغبة في تملك مسكن في تنامٍ مستمر، فإننا نسعى إلى رفع هذه النسبة بمقدار لا يقل عن 5 في المائة بحلول عام 1442هـ ـــ 2020م، بهذه العبارات لخصت "رؤية السعودية 2030" هدفها في موضوع تملك السكن في السعودية، حيث جاءت تلكم العبارات تحت المحور الأول في "الرؤية"، "مجتمع حيوي"، وهذا يوضح مدى أهمية توافر المسكن الملائم في بناء مجتمعات مستقرة ومنتجة، تنعم بالرخاء والازدهار. أوضح العاملون على "الرؤية" أن هدف تملك المسكن سيتحقق من خلال رفع نسبة التملك لتصل إلى 52 في المائة خلال أربع سنوات تقريبا، لكن السؤال المهم: هل مؤشر نسبة التملك يعد كافيا للتأكد من أن أزمة السكن سيتم حلها؟ ثم ما نقاط الضعف التي تعتري هذا المؤشر؟
نسبة تملك السكن تعبر عن عدد الوحدات السكنية التي يقطنها ملاكها بالنسبة إلى عدد الوحدات السكنية الإجمالية في منطقة معينة، وهنا تظهر أول إشكاليات هذه النسبة، وهو تعريف وتوصيف الوحدة السكنية. فمثلا نجد أن المنزل المتنقل يعد وحدة سكنية في الولايات المتحدة، بينما تعرف دولة كندا الوحدة السكنية بأنها أي وحدة سكنية تم إنشاؤها بأساليب حديثة، وتحتوي على نظام تدفئة مناسب، وذلك بالطبع لأن أغلب مدن كندا تعاني البرد الشديد، فنجد أن التعريف أو التوصيف جاء متناسبا مع البيئة وأهم متطلباتها، وهنا لا بد من إيضاح مواصفات الوحدة السكنية التي أخذت في الاعتبار عند تحديد النسبة، وما المعايير المناسبة لعصرنا الحديث لنطلق على مكان ما وحدة سكنية، كذلك من المآخذ على نسبة التملك صعوبة متابعتها بفترات دورية متقاربة وحاجتها إلى جهود كبيرة ومسوحات ميدانية للتوصل إلى نتائج دقيقة، إضافة إلى أن نسبة التملك لا تُعنى بعدد الأسر داخل الوحدة السكنية، حيث من الممكن أن توجد أكثر من أسرة في وحدة سكنية واحدة تكون مملوكة عادة لرب العائلة، فتجد الأبناء ولا سيما في بداية حياتهم الأسرية يعيشون في منزل يملكه والدهم، وهؤلاء سيعتبرون ضمن من يملك وحدة سكنية وهم في الحقيقة عدة أسر سيزداد عدد أفرادها وسيحتاجون مستقبلا إلى وحدات سكنية مستقلة تؤويهم وتوفي احتياجهم، وهذه بعض نقاط الضعف في مؤشر نسبة التملك في حال دقتها وصحتها، ناهيك عن كونها غير دقيقة بسبب تضارب البيانات التي تصدرها الجهات الرسمية أو غير الرسمية.
من طبيعة المؤشرات أن تكون فيها نسبة خطأ أو قصور معين في آلية استنتاجها، لكن ذلك لا يعني ألا يتم استخدامها، بل يعني ألا يتخذ المسؤول قراراته بناء على مؤشر واحد فقط بل على عدة مؤشرات بعضها يمكن تحديثه بشكل دوري مثل نشرة ربع سنوية، توضح مؤشر القدرة على التملك، وهو عبارة عن متوسط سعر الوحدة السكنية على متوسط الدخل السنوي لرب الأسرة، وهذه من أهم المؤشرات التي تأخذ بها الجهات الرسمية على مستوى الحكومات، وكذلك المنظمات العالمية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وجهات أكاديمية مثل المركز المشترك لأبحاث الإسكان، وهو ثمرة تعاون بين جامعتين عريقتين وهما هارفارد وMIT، لذلك قد يكون هذا المؤشر أهم من مؤشر نسبة التملك، لأنه يقيس أمرين مهمين هما سعر الوحدة السكنية ومدى تغيره، وكذلك التغير في الدخل ومدى مواكبته لأهم احتياج إنساني وهو المأوى، وبتتبع هذين المتغيرين من حيث الحرص على ضبط الأسعار بالتحفيز الدائم للتطوير العقاري لضخ منتجات سكنية تناسب الأغلبية من حيث الأسعار والجودة، وكذلك الاجتهاد في رفع متوسط دخل الفرد سيتم تحقيق الرفاهية المطلوبة للمواطن المحفزة للاستقرار، ويكون متحفزا للإنتاج والإبداع. لمعرفة حجم العرض هناك بعض المؤشرات التي تمكن الاستفادة منها على المدى القصير "شهريا" مثل عدد تصاريح البناء للوحدات السكنية وأنواعها في كل منطقة، وعدد الوحدات السكنية المنجزة وأنواعها، ولقياس حجم الطلب من المهم توضيح عدد طلبات التمويل العقاري التي تمت الموافقة عليها، وعدد ونوع الوحدات السكنية التي تم بيعها في منطقة معينة.
الخلاصة، لا يمكن الاعتماد على مؤشر واحد لحل مشكلة متشعبة مثل مشكلة السكن، بل لا بد من تتبع عدة مؤشرات دورية توضح جدوى سياسات الإسكان المتبعة ومدى تأثيرها في أرض الواقع، من خلال بيانات ومعلومات معتمدة من الجهات الرسمية المعنية مثل وزارة الإسكان ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة العدل والهيئة العامة للإحصاء، ليتمكن صاحب القرار من اتخاذ اللازم وفق معلومات موثقة، ومن المهم أن تكون هذه المعلومات متاحة للعامة عملا بمبدأ الشفافية وحق الفرد في المعرفة والاطلاع، وكذلك لتحفيز سوق العقار السكني ليستفيد منها المستثمرون والمطورون والمهنيون، وهذا ليس صعبا ألبتة، فكل المعلومات المطلوبة والحديثة متوافرة على شكل قواعد بيانات إلكترونية، لكن تحتاج إلى من ينفض عنها الغبار لتكون أدوات فاعلة في صنع القرار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي