Author

120 يوما من العطلة

|
قام باحثون في شيكاغو بأداء تجربة ميدانية أخضعوا فيها مجموعة من طلبة الأسر الفقيرة لبرامج التدريب الصيفي التي تستهدف التحسينات السلوكية. استطاع الباحثون عن طريق التدريب الصيفي خفض معدلات العنف لدى هؤلاء الطلبة خلال الفترات اللاحقة؛ وهذا ليس مفاجئا إذا ما عرفنا كيف نستغل الطاقة الموجودة لدى الشباب والمرونة التي تمنحنا إياها الإجازات. تمثل الإجازة الحالية التي تشمل كلا من عيدي الفطر والأضحى ثلث أيام السنة تقريبا وتحدث خلالها عديد من الأمور المهمة مثل الترويح عن النفس وتجديد المزاج ومقابلة الأحبة والأصدقاء، وهي موسم الصرف والاستهلاك والتنقل. تشكل الإجازة أيضا فرصة للقراءة واكتساب العادات الحسنة وترويض النفس والتطوع ومقابلة الوجوه الجديدة وربما نستدرك فيها ما يغير إحساسنا بالإجازة وما بعد الإجازة. لا تنحصر فوائد الإجازات على هذه الأمور ـــ التي لا نوليها في الغالب الاهتمام الكافي ـــ فطريقة استغلالنا للإجازة تؤثر في معدلات العنف والفقر كذلك. كما يتم دائما ربط العمل الصيفي بتحسين الكفاءة المهنية وحس المسؤولية، إذ تقوم الكثير من الدول بمبادرات معتبرة في هذا المجال، ومنها محليا مبادرة "صيفي" التي يديرها صندوق الموارد البشرية. تعد إجازة صيف هذا العام إحدى أطول الإجازات الصيفية التي نمر بها، تغطي العيدين وتستمر فيها إجازة الطلبة لمدة 120 يوما. ربما يبدأ بعض الأطفال انتظار العيدية ابتداء من الآن، تخطيطا لمصروفاتهم الصيفية المتنوعة التي تختلط فيها مشاعر الإجازة مع قدوم شهر رمضان المبارك والعيد من بعده. ولكن حتى بعد أن ينعم علينا الله بشهر رمضان وعيد الفطر ـــ إن شاء الله، ستظل أيام الإجازة الصيفية طويلة، طويلة جدا على المحافظ والعقول ومرهقة فعليا لكل من لا يحسن التخطيط والاستفادة منها. وليس السؤال المهم هنا كيف أقضي الإجازة أو ماذا أستطيع أن أفعل خلال أيامها الكثيرة؟ لأن الجواب موجود في كثير من الاقتراحات والنصائح التي نقرأها ونسمعها وهو موجود قبل ذلك ضمن قائمة رغباتنا واهتماماتنا المشروعة، سواء كان تحسينا للمهارات أو تطويرا للعلاقات أو فهما جديدا نسيح له في مكان ما. ولكن المهم هو أن نملك قدرة التخطيط وقدرة تنفيذ ما نخطط له. وهذا تحديدا ما أود ذكره لأهميته، كيف نحول أفكارنا الصيفية إلى أنشطة وممارسات حقيقية، أي آليات التفعيل! لا بد في البداية من التخطيط، فالبرامج المفيدة لا تحدث بعشوائية. ولكن الخطط لا تكفي وحدها، فهي مجرد أحلام أو أفكار على البال إن لم يتم تنفيذها. لهذه الأسباب يهتم من يعرف الإنجاز أثناء العطلات بصنع الحافز الذاتي. من يملك الحافز أو يملك القدرة على صنعه يسيطر على الفراغ الكبير بين الأفكار والواقع. ولا أجمل من حوافز الالتزام التي نصنعها داخل الأسرة بمشاركة الخطط والاهتمامات. هناك من يصنع روزنامة صيفية لأنشطة الأسرة وبعضهم يقوم بتعليقها في مكان بارز في المنزل. من الجميل أن نستغل كل أسبوع من الإجازة الصيفية ولكنني لن أطالب بذلك. حتى يصبح الالتزام بالخطة أسهل، لا مانع من تحديد بعض الأسابيع المنتجة وأخرى نقضيها بعشوائية. على سبيل المثال يبدو الأسبوع الوحيد السابق لرمضان أقرب لوقت الاسترخاء والتخطيط، وعادة ما يكون لرمضان برامجه المميزة التي لا يضيعها الكثيرون، خصوصا مع بركة وقته وخصوصيته التي تمنحنا فرصة التغيير والتجديد. لهذا تبدو الأسابيع الأربعة الأولى بعد رمضان مميزة جدا لتسخيرها لنشاط معين والأربعة الأخرى التالية كذلك. أما على نطاق الأسبوع نفسه، فيمكن أن نخضع الروتين الأسبوعي لبعض التغيير الصيفي الخاص. على سبيل المثال، أن تقوم الأسرة بتغيير وقت الترفيه-الاجتماع الأسبوعي، وأن تتبعه بجلسة تراجع فيها خطة الأسبوع وخطة الأيام المقبلة من الأنشطة والممارسات القابلة للتنفيذ، بالتوفيق بين الرغبات والقدرات. ليس المطلوب أن يسافر أحدنا إلى أقصى بقاع الأرض ليشعر بالتغيير أو الفائدة. ولكن دمج الجديد والمختلف بالممكن والمتاح مع جدية التعامل مع وقت الفراغ ــــ ومتابعة الأداء ـــ كفيل بصنع تجارب منوعة ومختلفة تثير الاهتمام وتثري العقل. تكفي الــ 120 يوما لصنع الكثير من العادات الجديدة ولاكتشاف أنفسنا من جديد. وأذكر كذلك أن تجربة الصيف ترتبط كثيرا بقدرتنا على إدارة عنصرين مهمين: الإبداع والمال. تمثل العطلات أفضل فرص التحرر من الروتين وممارسة الإبداع بشتى صوره، وهي كذلك فرصة لتجربة الكثير من الخطط والممارسات المالية التي ربما لم نعتد عليها بقية أيام السنة ـــ كما أنها بطبيعة الحال ثقب أسود لتضييع الثروات والأوقات. المهم أن نستدرك ما تبقى من الإجازة من أول يوم ينقضي فيها إلى آخر يوم.
إنشرها