العدالة أهم شروط «الضرائب»

من المسلم به – منذ آدم سميث – أن فرض الضريبة له شروط ومواصفات يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار، من أهمها العدالة والبساطة والكفاءة الاقتصادية. فالحديث عن فرض ضرائب، لا يمكن أن يحدث بمعزل عن العدالة، بل لابد أن تكون العدالة العنصر الأهم فيه. وليس مقبولا أن تتم تغطية الاحتياج المالي باللجوء إلى الطبقات الأضعف صوتا وتجنب الأكثر دخلا لارتفاع ضجيجهم. ولجوهرية هذا الموضوع ولما له من أهمية وتبعات جسيمة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي أُفردت له مادة مستقلة في النظام الأساسي للحكم في المملكة، وهي تنص على: "لا تفرض الضرائب والرسوم إلا عند الحاجة وعلى أساس من العدل ولا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها أو الإعفاء منها إلا بموجب النظام". والمقصود – اتفاقا – بعبارة "النظام" أن يتم فرض رسم أو ضريبة بموجب نظام صادر بمرسوم ملكي بعد مروره على مجلس الوزراء ومجلس الشورى.
ومن مسلمات الحياة الضريبية أن يتم استهداف الشرائح الأعلى دخلا ابتداء، ثم يتم التدرج للشريحة التي تليها، وهكذا حتى الوصول إلى شريحة لا يمكن تجاوزها لفقرها. إضافة إلى ذلك، فإن النسبة التي تفرض على الشريحة الأعلى لابد أن تكون أعلى من الشريحة التي تليها. فمثلا، من دخله السنوي عشرة ملايين ريال يفرض عليه ضريبة بقدر 30 في المائة، ومن يبلغ دخله السنوي مليون ريال يفرض عليه ضريبة قدرها 10 في المائة، وهكذا، ومن لا يتجاوز دخله السنوي 100 ألف ريال، لا يفرض عليه أي شيء. ما أود أن أبرزه هنا أن اختيار كل مكونات الضريبة المقترحة يجب أن يكون وفقا لما تواضعت عليه الأعراف والمفاهيم العدلية المستقرة وخاضعا لمكونات وظروف كل بلد بكل تعقيداته.
مع الأسف، يبدو أن هذا الموضوع الحساس جدا يتسنم قيادته مسؤولو المالية في دول الخليج، ويحاولون بكل الوسائل تهيئة الرأي العام له، وكأنه من المسلمات المالية البدهية التي لا يماري فيها اثنان. موظفون رائعون في التنظير المالي، ولا يشك في محبتهم وبحثهم عن المصلحة العامة، ولكنهم بعيدون كل البعد عما يحدث في دهاليز بعض أحياء الرياض. لا يمكن دراسة شيء بمعزل عن تفاصيل تطبيقه؛ مجرد الحديث عن ضريبة قيمة مضافة دون استيعاب لما هو كائن في الأحياء الفقيرة، ودون إدراك للبنية التحتية الإدارية والاجتماعية، وبغياب أصوات الجهات المعنية الأخرى، ما يعني بطبيعة الحال قصورا في تحليل الصورة التفصيلية، مدعاة للاستفسار والتساؤل عن معقولية التطبيق والتنفيذ وعدالة المضمون؛ فجزء من نجاح أي مشروع أن تسبر أغواره وتستشرف تفاصيله المستقبلية بأكبر قدر ممكن. هذا حتما لا يحدث بانفراد دائرة تنفيذية وحيدة في تقرير مناسبته.
الموضوع ليس مجرد مسألة روتينية. إنه من الجسامة ما يستدعي استنفار جميع المختصين لبحث كل تفاصيل وعورة فرض ضريبة وتبعاتها الاجتماعية. المسألة فيها من التعقيد والخطورة ما يكفي. وفرض ضريبة دائما يؤثر في المراكز المالية للمكلفين. توخي أقصى درجات الحذر لضبط العدالة ملزم دستوريا، وواجب شرعي، وهو أمر يجب أخذه في الاعتبار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي