Author

الإنتاجية أولا.. ثم الاستثمار

|
تقل الخيارات الاستثمارية المتاحة للمواطن، وهناك حالة شديدة من الضبابية والترقب في السوق العقارية. ويفقد كثيرون ثقتهم بسوق الأسهم كمكان آمن للاستثمار، وهو فعلا ليس بذلك المكان الملائم للجميع. لهذا تزيد أهمية الوعي الاستثماري خصوصا في الوقت الحالي. من الجيد أن مستوى الوعي الاستثماري في طريقه للتحسن وهذا عائد لسببين، تزايد حملات التوعوية، والأهم تزايد الضغوط الاقتصادية. لكن قبل التوعية الاستثمارية، هناك جانب أهم يستحق الاستيعاب والإدراك، وهو الادخار. وقبل الادخار هناك أمر آخر أيضا مهم جدا، ضعفه أو اختفاؤه ينهي جدوى الادخار والاستثمار معا، وهذا الأمر هو الإنتاجية. من دون إنتاجية لا توجد أي قيمة يمكن الاعتناء بها، ولن تصنع أي ثروة يمكن الحفاظ عليها. هذه باختصار هي دورة التخطيط المالي الشخصي، اصنع المال، حافظ عليه، ادخره واستثمره، ثم استخدمه من جديد بحصافة حتى مرحلة التقاعد وما بعدها كذلك. تدور أهم قواعد الثراء والحرية المالية حول قدرتنا على أن ننتج أكثر مما نستهلك وعلى أن نجمع أكثر مما نفقد. لهذا، ينجح دائما من يربط بين الإنتاجية والادخار ويعرف كيف يستخدم القنوات الاستثمارية بطريقة توثق أكثر من هذا الربط. الوعي الاستثماري الجيد يبدأ فقط عندما نصل إلى الرشد في الإنتاجية والادخار. تبدأ الإنتاجية من قدرتنا على تنمية مهاراتنا وضبط سلوكياتنا وممارسة العادات الإيجابية، وبالطبع للبيئة والأجواء التي نعمل فيها دور كبير فهي إما حوافز تنمي الإنتاجية أو مسببات تدمرها. وكذلك الادخار الذي يبدأ بعادات سلوكية داخل الأسرة سرعان ما تنمو وتتطور استراتيجيا حتى تنعكس آثارها على حياتنا بشكل مباشر. ولهذه الأسباب أطرح تساؤلين: هل هناك من يقوم بحملات توعوية مركزة تستهدف رفع مستوى إنتاجية الفرد؟ وهل هناك ضغوط اقتصادية على الفرد تحفزه لزيادة الإنتاجية؟ الإجابة في اعتقادي لكلا التساؤلين هي لا؛ لا توجد حملات قوية مؤثرة تستهدف رفع إنتاجية الفرد إلا ما يحصل في بعض المنشآت السباقة وعلى نطاق ضيق، ولا توجد ضغوط واضحة حاليا تجبر الشخص على رفع مستوى إنتاجيته بشكل جذري ومباشر. لكن الواقع يحتم وجود هذه المؤثرات في أقرب وقت. لا بد من ارتفاع الوعي العام المرتبط بإنتاجية الفرد وقبل أن يكون هذا الأمر على مستوى المنشأة يجب أن يحصل أولا على المستوى الوطني، بمشاركة الإعلام والمدرسة وأماكن العمل. تحسين إنتاجية المواطن السعودي مطلب أساس لتحقيق "رؤية المملكة" وهذا سيكون المحك الأكبر حينما تقوم مختلف الجهات بالعمل على برامج التحول وتحقيق مؤشرات الأداء المطلوبة، سيكتشف حينها معظمنا فراغاته الإنتاجية وكم يلزمه من الجهد والوقت لتغطيتها. تتزايد الضغوط الاقتصادية على الفرد والأسرة بشكل مستمر، ولكن لضعف الوعي المالي الشامل، يفكر بعضهم في خيارات الاستثمار وهو لم يحسن إنتاجيته بعد. لا يمكن عمليا الاستثمار بدخل ضعيف وساعات يومية مهدرة في أنشطة لا قيمة لها. ترتبط نتائج أي استثمار بعنصرين رئيسين: المدخلات والقرارات المرتبطة بها. الاستثمار الضعيف لن يعطي مردودا جيدا ولو كان صاحبه يحسن اتخاذ القرار، والاستثمار القوي سيكون عرضة للخسائر إذا أساء صاحبه اتخاذ القرار. لا تجتمع مثل هذه العناصر إلا عند شخص يطور من إنتاجيته باستمرار، إذ تتحسن مهاراته العملية ومهارات تفكيره. البعد عن هذه التفاصيل في ظل تزايد التحديات الاقتصادية يعني حدوث الصدمة، صدمة الديّن والفشل المالي أو صدمة الحاجة إلى وظيفتين بينما ساعات اليوم لا تكفي أساسا إلا لواحدة. عندما تتعارض الأهداف الحياتية مع السلوكيات الإنتاجية والاستثمارية يعيش الفرد نتائج التناقض، سيزداد شعوره بهذا التناقض كل يوم حتى يصبح التصحيح صعبا جدا. لهذا من المهم جدا أن يكون توقيت التحسن في هذه المحاور مبكرا بما يكفي. هذا يعني التعجيل بالتوعية الذكية التي يجب أن تتبناها كل الجهات المؤثرة والمشرفة على إنتاجية الأفراد وعلى ثقافتهم المالية. وإذا تأخرت هذه الجهات فالأحرى بالأفراد ألا يتأخروا وأن يهتموا بتعزيز وتنمية قدراتهم ومهاراتهم بأنفسهم. يجب ألا نبرر فشلنا في التخطيط المالي بعدم اهتمام الآخرين أو ضعف القنوات الاستثمارية ــــ وهذه حقيقة لا خلاف عليها ـــ إذا كانت إنتاجيتنا أساسا متدنية.
إنشرها