Author

صافي أرباح الكل.. بالتفاصيل

|
تخيل معي أنك تعرف صافي أرباح جميع الشركات الموجودة في المملكة، المدرجة وغير المدرجة، بالتفاصيل؟ بالطبع ستكون معلومات مميزة قد تغير قرارك وتجعلك تعيد النظر في مجال الاستثمار الذي تفضله، وربما تعيد النظر في مكان عملك كذلك. هذا ما طالبت به هنا على الصفحات الاقتصادية من قبل وطالب به غيري من الكتّاب والذي يرتبط مباشرة بالشفافية التي يجب أن تزيد بأسلوب أسرع من أي وقت مضى. اليوم بدأت والحمد لله بوادر خروج مثل هذه المعلومات من قبل وزارة التجارة والصناعة. كانت وزارة التجارة تتسلم "يدويا" قدرا لا بأس به من القوائم المالية منذ سنوات طويلة، ولكن اليوم أنهت الشركات عامها الثاني بصحبة نظام "قوائم" الذي يعتبر من آخر صيحات التقرير المالي الإلكتروني عالميا الذي يستخدم لغة XBRL. وهذا يعني زوال جزء كبير من عوائق جمع وتحليل ونشر بعض الأرقام ـــ من باب الشفافية ـــ وأصبحت الفرصة سانحة للقفز بعيدا في جودة ونوعية المعلومات التي تتاح للجميع. هذا ما أكده وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة الأسبوع الفائت في مؤتمر يوروموني بالرياض حينما أفصح عن بعض الأرقام المثيرة التي استخدمها كتشويقة ـــ teaser ـــ لما تنوي الوزارة طرحه قريبا من تقارير تخدم السوق. تحدث الدكتور الربيعة على سبيل المثال عن صافي الربح للشركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة الذي يصل إلى 332.7 مليار ريال سعودي في عام 2015، بينما بلغ هامش الربح لجميع الشركات ما يقارب 59 في المائة وهي نسبة مرتفعة جدا لشركات تبلغ قيمة أصولها أكثر من 7.7 مليار ريال سعودي. وتحدث الربيعة أيضا عن هوامش الربح القطاعية ـــ وهي ضمت المعلومات التي يتمنى معرفتها كل ريادي أعمال ــــ وبين أن قطاع الخدمات المالية هو أكثر القطاعات ربحية بينما ربحية المصانع في المناطق الشمالية والجنوبية أفضل من مثيلاتها في الوسطى والغربية. سأقف عند المعلومة الأخيرة، تلك التي تخص اختلاف معدلات هوامش الربح بناء على اختلاف المنطقة الإدارية. ماذا يعني عند المهتم وجود مثل هذه المعلومة؟ وقبل ذلك من هو المهتم هنا الذي ستتأثر قراراته وأنشطته بمثل هذه المعلومات؟ نحن نتحدث عن المشرع الذي سينظر للحوافز والتحديات على أرض الواقع - ومنها هذه الاختلافات المثيرة للتفكير - التي سيأخذها في الحسبان عندما يراجع تصميم الحوافز المتاحة للمستثمرين على سبيل المثال. ونحن نتحدث كذلك عن المستثمر ومؤسس المشاريع الذي سيحاول الاستفادة من هذه الحقائق ليرفع من فرص نجاح استثماره. وبلا شك، ستكون مثل هذه الأرقام مثيرة جدا للعالم والباحث الذي سيحاول التنظير والتحليل والتجربة ليفسرها ويربطها بالسلوك أو العادات. هي معلومات مهمة تحسن من إنتاجية أكثر من طرف. خروجها بقدر جيد من الصحة يسير كل من الفهم وصنع القرار والواقع بطريقة مختلفة تماما عن الوقت الذي كانت فيه المعلومة "غير متاحة". تخيل معي أننا نتحدث هنا عن معلومة واحدة أو بضعة أرقام موثقة ومدققة. ماذا لو تعرفنا على أداء الشركات الجديدة مقارنة بالعتيقة وأداء الشركات الكبرى مقارنة بالصغرى في القطاع نفسه، وأداء الشركات المتمركزة في المدن الكبرى مقارنة بتلك الموجودة بالمدن الأصغر. وهذا يشمل ما يمس كفاءة القطاع الخاص خصوصا قائمة مصروفات الشركات حسب القطاع، التي ستبين ما هي القطاعات النشطة والأكثر كفاءة من تلك التي تهدر ثرواتها وثروات المجتمع فيما لا يفيد ولا ينفع. من المتوقع أيضا أن يشكك البعض في جودة هذه الأرقام وربما اتهم المحاسبين أو إدارات الشركات وقلل من قيمة نشر مثل هذه الأرقام، ولكن الجواب هنا أن الشفافية والبدء في الإعلان عن هذه الأرقام من أهم ما يحسن الجودة ويصنع الضغط الإيجابي على كل من يشترك في نشرها. تلقائيا، عندما تنشر الوزارة هذه المعلومات سيتم استخدامها وتحليلها وتحديد مواطن النقص أو الخلل بما يجعلها عرضة للنظر والتحسين من عدة أطراف رقابية وإشرافية. ذكر وزير التجارة والصناعة أن الوزارة تعمل على تطوير نظام ذكي يقوم بتحليل هذه المعلومات ونشرها للاستفادة منها، وهذا جميل. ولكن بما أن النظام لا يزال تحت التطوير، فأنا أتمنى ألا يطول الانتظار أكثر وأن يتم الإعلان مباشرة عن المتاح من الأرقام التجميعية على مستوى القطاعات والمناطق حتى ننتقل إلى المرحلة القادمة "الذكية"، وخصوصا أن نظام "قوائم" بدأ بالسنة المالية المنتهية في نهاية عام 2014 أي قبل أكثر من عام تقريبا.
إنشرها