Author

عبد الله العثيمين

|
ربطتني بأسرة العثيمين أهل عنيزة الكرام صلة خاصة، بدأت أولا مع المحقق والعلامة الكبير الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الذي تتلمذت عليه سنوات طوال، وأفدت منه كثيرا، فقد كان ـــ رحمه الله وغفر له - إماما عز نظيره في معرفة المخطوطات العربية، وأستاذا بارعا في علوم العربية، واسع الاطلاع والمعرفة بالتاريخ العربي والإسلامي، عارفا بالتراجم وأخبار العلماء والأدباء، ومتفردا في معرفته بعلماء الحنابلة، كما كان حافظا وراوية لأشعار العرب الفصيحة والنبطية. ومن خلال الدكتور عبد الرحمن تعرفت على إخوانه الكرام: محمد وعبد الله وعبد العزيز وأولادهم، وتعرفت على ولديه الخلوقين، سليمان ويوسف. ومن خلاله التقيت عدة مرات ابن عمه العالم الجليل، الزاهد، الشيخ محمد الصالح العثيمين ــ رحمه الله ـــ، كما تعرفت من خلاله أيضا على ابن عمه المؤرخ الدكتور عبد الله الصالح العثيمين، الذي فجع السعوديون وعشاق المعرفة والتاريخ بخبر وفاته في الأيام الأخيرة ـــ رحمه الله. ولي مع الدكتور عبد الرحمن السليمان العثيمين ذكريات لا تنسى، فقد كان أستاذا وشيخا، وكان أخا كبيرا وصديقا، كان نبيلا وصادقا، عاشقا للعلم ومحبا لأهله، أعرض عن الدنيا، وعاش من أجل العلم والمعرفة. وترك رحيله وَجَعَا في النفس، وحزنا يستوطن الفؤاد. أما الدكتور عبد الله الصالح العثيمين، فقد تشرفت بلقائه أول مرة قبل حرب الخليج، وأظن اللقاء الأول كان في عام 1409هـ، ثم سعدت بلقائه مرارا في أماكن متعددة، ولي قصة معه ـــ رحمه الله، عام 1411هـ، كان لها أثر في تغيير طريقة تفكيري، وقبل أن أرويها سأعود إلى الوراء عامين أو ثلاثة، إذ ظهرت أشرطة كاسيت وكتب تتحدث عن الحداثة ورموزها في العالم العربي والسعودية، وكان الدكتور عبد الله الغذامي أحد الشخصيات التي وجه لها نقدا حادا ولاذعا فيها، وتبع ذلك لقاءات في مجالس خاصة لنقاش فكرة الحداثة، التي اعتبرناها آنذاك خطرا على الدين، وكان يحضر هذه اللقاءات بعض الفضلاء من طلبة العلم وأهل الخير والديانة، كما يحضرها بعض العوام، كما كان يحضرها بعض المتلبسين بلبوس الدين، وكشفت الأيام أن لهم أهدافا بعيدة كل البعد عن الدين، وكان أهل الفضل والديانة يتورعون عن التعرض لأعراض الآخرين، ولا يسمحون بتكفير أحد من المسلمين، لكن بعض الجهلة والأشرار كانوا يسارعون إلى التكفير، والاتهام بالزندقة، وأصابت هذه التهم الدكتور الغذامي، وخدعت بها، حتى خيل إليَّ مما سمعته أنه من أساطين الضلال والزندقة. ومضت الأيام ثم زرت الدكتور عبد الله العثيمين في منزله بسكن جامعة الملك سعود في الرياض في عام 1411هـ، بعد صلاة المغرب مباشرة، ثم ذهبنا إلى المسجد وصلينا العشاء، وعند باب المسجد بعد خروجنا توقف الدكتور العثيمين ليتحدث مع رجل صبوح الوجه، ترتاح لرؤيته النفس، ثم مضينا عائدين إلى منزله، وقال لي: ما عرفته؟ فأجبت بالنفي، فقال هذا الدكتور عبد الله الغذامي، فصعقت، وقلت دون تفكير: هاهم يقولون زنديق، كيف يصلي؟ فابتسم أستاذي الرائع عبد الله العثيمين، وقدم لي نصيحة لا أنساها: “يا سليمان لا تصدق كل ما يقال، أنا أعرف الغذامي من سنوات طويلة، محافظ على الصلوات دائما، سليم الديانة، ويتمتع بأخلاق عالية”. ذكرياتي مع هذه الأسرة الكريمة النبيلة طويلة ورائعة.. وللحديث بقية.
إنشرها