مهما كانت طبيعة التباين الذي برز في المواقف الخليجية ــ الأمريكية خلال الفترة الأخيرة، تبقى العلاقات التاريخية الثابتة والعميقة بين الطرفين هي الحاضرة دائماً، وهي الحاضنة لأي تباين، وهي الأساس للقواسم المشتركة بينهما، وهي الحقيقة الراسخة الموجودة على الأرض. التباين يحدث حتى داخل الحكومة أو الإدارة الواحدة، والرؤى تختلف حول هذه القضية أو تلك، لكن الثوابت لا تتغير، والعلاقات المتينة التي تجمع شعوب الطرفين بعيدة عن الاختلافات السياسية. هذه طبيعة العلاقات الدولية الراشدة والحكيمة. تحدث الطرفان عن الخلافات في الآونة الأخيرة، ولكنهما تحدثا أيضاً عن القواسم المشتركة الجامعة، وتلك التي تعود بالنفع لمصالحهما ومصلحة الشرق الأوسط كله، بل الساحة الدولية أيضاً. ومن أهم ما يميز العلاقات الخليجية ــ الأمريكية، الصراحة والانفتاح والرؤية السليمة لمستقبلها، فلا يهم أي شيء آخر بعد ذلك.
وبدت الحقائق واضحة في مشاركة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، وأعطى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أبلغ توصيف لعلاقات الخليج مع الولايات المتحدة، وأطر وآليات تطويرها، وصيانة عناصرها الثابتة التي لا تتغير. الرئيس الأمريكي أكد مرة أخرى، أن الصداقة والتعاون بين بلاده والسعودية تمتد عقودا طويلة، وهذا ينسحب أيضاً على بقية بلدان الخليج العربي. وكان حريصاً على التأكيد على أن التعاون بين الطرفين راسخ ومتين، وسيبقى في هذا السياق بفعل طبيعة العلاقات التاريخية. إنها مسألة (مرة أخرى) بعيدة عن الاختلافات (وليست الخلافات) بين طرفين محوريين على الساحتين الإقليمية والعالمية، بين طرفين جمعتهما قضايا ومتغيرات، لا يمكن مواجهتها إلا بالتعاون القائم على الأسس الثابتة المشار إليها.
خادم الحرمين الشريفين كان واضحا (كما هو دائماً حول كل القضايا التي تهم المملكة والخليج والعرب). أعطى للعلاقات الخليجية ــ الأمريكية مدلولها الاستراتيجي، وذكّر بهذه الحقيقة الثابتة. ولأن الأمر كذلك، فقد شدد على التزام الخليج العربي تماماً بتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة. فالطرفان يستطيعان الوقوف في وجه كل الأزمات الراهنة وتلك التي يمكن أن تستجد، ونظراً لمحورية الطرفين، فإنهما يمتلكان الأدوات اللازمة لتحقيق الأهداف في هذا المجال. مع التركيز على المخاطر بما فيها تلك الناجمة عن السلوكيات التخريبية لإيران. ولذلك، وجب (وفقاً للملك سلمان) مراقبة السلوك الإيراني العدائي دائماً، بصرف النظر عن الاتفاق الذي يناور من خلاله نظام علي خامنئي.
وضع خادم الحرمين الشريفين قضايا العرب المتفاعلة على رأس المحادثات الخليجية ــ الأمريكية، فهو يعتبر أن كل قضية عربية قضية سعودية، هكذا يتصرف ويعمل ويتحرك بصرف النظر عن أي اعتبارات. وهمه الأساسي أن تعيش الشعوب العربية بسلام وأمان وكرامة وازدهار. إنها أيضاً ثوابت سعودية ــ خليجية لا تتغير. سورية، اليمن، العراق، لبنان، والصحراء الغربية، وأي قضية تخص الشعوب العربية كانت حاضرة في المحادثات بين طرفين يملكان كل مقومات القوة والفعل. إنها سياسة واضحة، أكد الرئيس الأمريكي التزامه بها علناً. لا حلول وسطا عند بلدان الخليج العربية حول هذه القضايا، كما أن العلاقات الراسخة مع الولايات المتحدة، تضمن حراكاً ناجعاً على كل الساحات. القمة الخليجية في الرياض، قدمت المواقف الثابتة الواضحة الحكيمة، وهي امتداد لمواقف بلدان الخليج القديمة ــ الجديدة. وقد حمل البيان الختامي للقمة الخليجية ــ الأمريكية معطيات ومؤشرات وثمارا إيجابية على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية وملفات الحرب على الإرهاب، المتمثل في دحر "داعش" وممارسات إيران الخاطئة لزعزعة استقرار المنطقة، حيث التزمت أمريكا بالمحافظة على الأمن في المنطقة، والعمل مع الحلفاء لإرساء السلام، واستعداد أمريكا أيضا لمساعدة الدول الخليجية وتطوير منظومتها العسكرية والدفاعية، ومراقبة الأسلحة التي تدخل المنطقة، وبذل جهود حثيثة لوقف العمليات الإجرامية والخروقات المرتكبة من قبل النظام السوري، ومنع إيران من مواصلة تسليح الجماعات الإرهابية، وزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية وتدخلاتها السافرة القبيحة، مؤكدا اهتمام بلاده بعدم انتشار السلاح النووي في منطقة الخليج.
لا شك في أن المحادثات الخليجية ــ الأمريكية ستظهر آثارها الإيجابية فوراً على الساحة، والأهم ستكرس مجدداً تلك العلاقات التي تبقى ثابتة بصرف النظر عن وجهات النظر التي تختلف مرة وتتفق مرات مع الولايات المتحدة وغيرها. إنها طبيعة العمل السياسي في كل بلدان العالم. العلاقات الخليجية ــ الأمريكية نشأت قبل عقود وستستمر إلى ما لا نهاية؛ لأن الطرفين يعملان للمصالح المشتركة، ومصالح الشعوب في المنطقة وخارجها.
