الاستجداء المصرفي الإيراني

"منحت صوتي في كل مرة، لفرض عقوبات على إيران. كل الخيارات يجب أن تبقى حاضرة ضد إيران"
راند بول - سيناتور جمهوري أمريكي

ما زال النظام الإيراني يستجدي أيا كان من أجل التوسط لدى الولايات المتحدة، لكي تسمح هذه الأخيرة بدخول إيران إلى النظام المالي العالمي. مرة تناشد طهران بريطانيا، ومرة أخرى الاتحاد الأوروبي، لكي يصل إلى هذا النظام، ومن دونه تبقى المعاملات المالية الإيرانية في حالة شبه جمود، على الرغم من تحرك بعض المؤسسات المالية الأوروبية الصغيرة باتجاه إيران في الآونة الأخيرة. غير أن الحراك المالي يتطلب تمكن طهران من الولوج الكلي للنظام المالي، دون وجود مصدات أو حالات تردد في التعامل معها، ولاسيما على الجانب الأوروبي الحر (في أعقاب الاتفاق النووي) في التعامل مع إيران، بكل مؤسساته المالية. والمسألة لا تتعلق فقط بتحريك الأموال الإيرانية على الساحة العالمية، ولكن أيضا بأمور ائتمانية لا يمكن أن تتم إلا بالتحرك المالي الحر.
بعض المصارف الأوروبية تحركت بالفعل، لكن المخاوف التي تولدها مخاطرة التحرك تجعلها أكثر من مترددة، بل ومتوجسة. بعضها أكثر من هذا وذاك، إنها خائفة، خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية على الساحة العالمية. وهي خائفة من التصادم مع المشرعين الأمريكيين. وقد أثبتت التجارب السابقة، أن أي تصادم مع هؤلاء تنتج عنه سلسلة من الغرامات والعقوبات على المصارف بصرف النظر عن هويتها، أمريكية كانت أم أوروبية أم تابعة لأي جنسية على مستوى العالم. وهذا ليس سرا، يفضل رؤساء المصارف الكبرى التريث والانتظار إلى أن تتضح الصورة قبل الانغماس المالي مع إيران، التي تعاني أساسا تخلف قطاعها المالي، بغياب الحد الأدنى من"الميكنة" المطلوبة له.
لا، ليس سهلا تمويل التجارة الإيرانية حتى بعد رفع العقوبات الدولية عن نظام إيراني مارق. الأوروبيون خائفون، والأمريكيون لا يحق لهم أساسا التعاطي المصرفي مع إيران حتى إشعار آخر. ولم تتمكن المصارف الصغيرة من تغطية نسبة مقبولة من الحراك المصرفي المطلوب، بينما دخل بعض هذه المصارف السوق الإيرانية وخرج على الفور، لأسباب مرتبطة بالخوف من غضب أمريكي تتبعه عقوبات، لم تعد حتى المصارف الكبرى قادرة على تحملها في ظل الشح المالي الراهن على المستوى العالمي. في الأسبوع المالي جددت إيران استجداءها ليس فقط على صعيد الائتمان المصرفي، بل أيضا من أجل الوصول إلى أصول تؤكد طهران أنه جرى فكها فعلا وفق الاتفاق النووي. لكن، لم يأت لها رد واضح، باستثناء بعض التصريحات الأوروبية الخجولة التي تركزت على ضرورة تفهم الحالة العامة.
تبقى بريطانيا على وجه الخصوص هدفا مثاليا للاستجداء الإيراني، على اعتبار أنه يُنظر إلى لندن كجهة أقل حدة على مستوى التعامل المصرفي مع النظام الإيراني، مقارنة بغيرها من البلدان الأوروبية الأخرى. لكن الحكومة البريطانية لا تملك الكثير للتحرك على أساسه، من أجل تسريع فك القيود على الأصول الإيرانية، وإقناع حتى المصارف البريطانية نفسها بالتعامل الطبيعي مع طهران. بل إن التطمينات الأمريكية نفسها لم تدفع مصارف أوروبا لإطلاق التعاملات المالية مع هذا البلد، على الرغم من أن المؤسسات المالية أعلنت صراحة أنها خائفة من عقوبات أمريكية إذا ما بدأت التعاملات المصرفية مع إيران. وترتكز "تطمينات" واشنطن على ألا خوف على المؤسسات التي تطبق تماما اللوائح التي نص عليها اتفاق رفع العقوبات. المشكلة الرئيسة هنا لا تكمن في تطبيق اللوائح بل في غموض اللوائح نفسها، كما يقول مسؤولو المصارف المعنية.
والحق، أن الولايات المتحدة تتعمد موقفا سلبيا لا يتعارض مع الاتفاق. وهذا ما أكدته واشنطن أخيرا، بأن الاتفاق النووي مع إيران، لا يتضمن الدخول إلى النظام المالي العالمي، وهذا صحيح. والاتفاق المشار إليه واضح بالفعل بهذا الشأن. لا يهم كثيرا كلام منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موجريني التي قالت من طهران، إن أوروبا لديها تعاون مختلفة مع إيران منذ أن تم رفع العقوبات عنها. فالمؤسسات المالية الأوروبية تخشى العقوبات الأمريكية المحتملة بصورة تفوق "طمأنة" الحكومات الأوروبية لها، خصوصا بعد أن ذاقت الكثير من الغرامات المفروضة عليها من قبل واشنطن. وهذا لا يعني على الإطلاق أن التعاملات المصرفية الأوروبية مع إيران غير موجودة. هناك اتفاقات جرت مع جهات بريطانية وفرنسية وألمانية وإيطالية وغيرها بالفعل، وغالبيتها ترتبط بتسهيلات ائتمانية، لكنها جميعا تحت الحد الأدنى الذي تحتاج إليه إيران في هذه المرحلة بالذات.
هل تضغط أوروبا على الولايات المتحدة بهذا الخصوص؟ هذا ما يأمله نظام علي خامنئي، لكن لا توجد مساحة (لأوروبا) للتحرك على صعيد الضغط، خصوصا أن الولايات المتحدة لا تمنع المؤسسات المالية الأوروبية من التعامل مع إيران. هي تقول فقط، طبقوا نصوص اتفاق رفع العقوبات دون أي إضافة أو"اجتهادات" وأنتم تعرفون مستوى وطبيعة ومرارة العقاب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي