المطر .. وتعليق الدراسة
لعل من بين الصفات الخصوصية لمجتمعنا (تعليق الدراسة) عند هطول الأمطار.. بل المطالبة بذلك عبر وسائل الإعلام والفرح بالقرار بشكل مبالغ فيه حتى أصبح إحدى صفات المدح أو القدح للوزراء المتعاقبين على وزارة التعليم.. ولقد حاول وزير التعليم الحالي الدكتور أحمد العيسى أن يصمد لكن تحذيرات الأرصاد والدفاع المدني انتصرت عليه، حيث وجد نفسه مثل كابتن الطائرة الذي أبلغ باختطافها، وأن من قام بذلك يحمل حزاما ناسفا غير حقيقي ويعلم ذلك بنسبة 99 في المائة لكنه لا يستطيع المغامرة ولو بنسبة 1 في المائة فلو تعطلت سيارة بها طفل في أحد الأنفاق وغرق الطفل أو كاد لاشتعل الإعلام بجميع وسائله ومواقع التواصل الاجتماعي بأسمائها الحقيقية والوهمية وحمل الوزير كامل المسؤولية حتى لا يفكر في معارضة تعليق الدراسة مستقبلا.
وعودة إلى (المطر المظلوم) أقول إن بعض بلاد العالم يستمر هطول الأمطار فيها على مدار العام ولم تعلق الدراسة فيها يوما واحدا، ولذا فإن القول إن تعليق الدراسة بسبب المطر فيه ظلم وإجحاف بحق (المطر) وتجاهل للسبب الحقيقي وهي تلك الأنفاق والطرق التي نفذت بملايين الريالات وتسلم المقاولون تلك الملايين بعد توقيع المهندسين والمشرفين على مطابقتها للمواصفات.. وحينما كشف المطر الذي يجب أن يشكر ويشاد بدوره جميع عيوبها، لأنه لا يرتشي ولا يجامل غرقت مدننا وتمنى البعض العودة إلى الكباري الحديدية المعلقة التي ما زال بعضها يستعمل في مدينة الرياض فهي أسلم من مصيدة الأنفاق التي ترتفع الشكوى منها كل عام في جدة والرياض والدمام وغيرها وتعلق الدراسة بسبب عدم القدرة على تجاوزها بطلبة أبرياء يذهبون إلى المدرسة فلا يدري أهلهم هل يعودون منها سالمين ولذا يفضلون (تعليق الدراسة) حتى لو كان الجو صحوا، فالأنفاق ما زالت بحيرات تحتاج إلى قوارب وربما غواصات لعبورها ولا تستطيع سيارة متهالكة يقودها سائق تحت التدريب أن تعبر بسلام.
وأخيرا: يحدث ذلك كل عام ثم تهدأ الضجة ولا تحرك الجهات المختصة ساكنا، حيث لم نسمع عن عقاب لمشرف أو مقاول تسبب في هذه الكوارث مع أن (المطر المفتش) قد أهدى مجانا لتلك الجهات تقريرا صادقا لا يقدر عليه الاستشاري الذي ربما دفعت له الملايين لإجراء دراسة يقول في نهايتها (إن العمل قد نفذ حسب المطلوب) وهو يعلم أن ذلك غير صحيح.. ويعلم أيضا أن فتح الدفاتر القديمة غير موجودة في ثقافة الجهة التي كلفته بالدراسة.
خلاصة القول: لا تظلموا المطر بأنه هو من يعلق الدراسة نتيجة هطوله فهو يأتي بالخير والبركة للبلاد والعباد.. وعلموا أبناءكم أن كل ساعة من أعمارهم تضيع بلا تعليم هي خسارة تتراكم طوال أعمارهم ولا تعوض أبدا بواسطة الأجهزة الذكية التي أشغلتهم ليلا ونهارا عن الحديث مع من حولهم حتى تناول طعامهم في الوقت المناسب.