المعاملات مع ذوي العلاقة في الهيئات والجامعات والمؤسسات العامة

يعد مفهوم المعاملات مع ذوي العلاقة من أهم الموضوعات التي تشغل كثيرين من المهتمين بشأن الشركات خاصة المساهمة منها، وبشكل عام فإن أي شخص طبيعي أو اعتباري يعتبر طرفا ذا علاقة بالمنظمة أو المنشأة أو الشركة إذا كان يسيطر عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال وسيط أو أكثر، أو كان له نصيب في تلك المنظمة يعطيه حق التأثير على قراراتها أو كان عضوا أساسيا في الإدارة العليا سواء في المنظمة نفسها أو أي منظمة أخرى لها علاقة مباشرة بها. كما يعتبر من ذوي العلاقة مع الشركة من كان له قرابة مع أحد أعضاء الإدارة العليا فيها أو من له سيطرة وتأثير مباشر على القرار.
هذا المقال لا يهدف إلى التعريف بمشكلة المعاملات مع ذوي العلاقة في القطاع الخاص والشركات المساهمة، فهي قضية لها أبعاد متعددة ونظام الشركات يلزم الشركات السعودية بالإفصاح عن مثل هذه العمليات، ولا يكاد يخلو تقرير لمجلس الإدارة من الإشارة إلى عمليات ومعاملات مع ذوي العلاقة، والسبب في هذا هو اطلاع المساهمين وأصحاب القرار حول نفوذ أعضاء مجلس الإدارة على وجه الخصوص واستخدامهم لهذا النفوذ من أجل إجبار الشركة على أن تتعامل مع مؤسساتهم الخاصة أو مؤسسات أقربائهم أو أن تدفع لهم أو لأقربائهم تعويضات أو أن تقترض منهم أو من أقربائهم أو أن تمنحهم تسهيلات أو قروضا. ويجب الإفصاح عن هذه العمليات وحجمها ونتائجها وتأثيرها على المركز المالي للشركة. مثلا لو أن أحد أعضاء مجلس الإدارة أو ابنه أو قريبا له لديه شركة مقاولات خاصة والشركة ترغب في تنفيذ مشروع معين وتم ترسية المشروع على شركة المقاولات هذه، فإن من حق جميع المساهمين معرفة هذه العملية ونتائجها وتأثيرها وأنها تمت وفقا لأنظمة الشركة دون تأثير مباشر من هذا العضو المؤثر في الشركة. هذا واضح جدا في كل الشركات المساهمة والقطاع الخاص، لكن ما يجب الالتفات إليه هو أهمية تطبيق هذا الإجراء والمعايير الخاصة بالمعاملات مع ذوي العلاقة من حيث الإفصاح عنها وتقييم تأثيرها بشكل صحيح على الجامعات والجهات الحكومية بأنواعها والمؤسسات العامة.
فالجامعات مثلا يتم إدارتها من خلال مجلس جامعة مؤلف من عديد من العمداء وهؤلاء العمداء يشرفون على كثير من أعمال الجامعة ولهم تأثير عميق على قراراتها، فهل يستخدم هؤلاء العمداء تأثيرهم ونفوذهم في الجامعة من أجل أن يتم التعاقد مع مؤسسات وشركات تتبع لهم مباشرة أو تتبع لأبنائهم أو أقاربهم. فلا يوجد نظام يمنع عضوا من أعضاء مجلس الجامعة أن يتقدم قريب له من الدرجة الأولى أو أقل منها بالمنافسة على مشاريع الجامعة ومناقصاتها، لكن يمكن من خلال تطبيق معيار الإفصاح عن المعاملات مع ذوي العلاقة أن يتم الإعلان عن مثل هذه العمليات وأن يتم تقييم تأثيرها وأن يتولى مراجع قانوني فحص مدى تأثر ميزانية الجامعة بمثل هذه العمليات. وهذا أيضا يمكن القيام به مع مؤسسات حكومية أخرى مثل المؤسسة العامة للصوامع والمؤسسة العامة للموانئ، والهيئات ذات الميزانيات المستقلة. والأمر ينطبق أيضا وبشكل أكثر أهمية مع الأمانات ومجالس البلديات نظرا لحجم المقاولات وعددها والصلاحيات الممنوحة لأصحاب القرار.
وفي ظل الاتجاه العام إلى إصلاح الاقتصاد وتعزيز الرقابة والشفافية في المملكة وأيضا في ظل التوجهات نحو خصخصة كثير من المنشآت ومنها المؤسسات العامة أو عدد كبير من خدماتها وقطاعاتها فإن من المهم قطعا أن نبدأ بضبط المراكز المالية لهذه المؤسسات وأيضا نتائج عملياتها ومن الضروري ووفقا لكل المعايير المحاسبية ومعايير المراجعة ذات العلاقة أن يتم التقرير عن العمليات مع ذوي العلاقة وقياسها بطريقة صحيحة والإفصاح عنها بما يضمن لمستخدم البيانات المالية، وكذلك عديد من المستثمرين المحتملين اتخاذ قرارات سليمة. ليس هذا فحسب بل إن تزايد الإفصاح في المملكة وفي جميع قطاعاتها عن العمليات مع ذوي العلاقة سيعزز من مكانة المملكة اقتصاديا وأيضا يعزز فرص الاستثمار الأجنبي إلى حد بعيد وهو الأمر الذي نحتاج إليه في الوقت الراهن بشكل بارز. كما أننا في مرحلة نتوسع فيها من أعمال الهيئات المشرفة والمنظمة للأسواق، ومن ذلك الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، هيئة السوق المالية هيئة المحاسبين القانونيين، الغرف التجارية، وغيرها كثير مما يصعب حصره في مقال.
فلا بد إذا من دراسة شاملة من خلال مجلس الشورى عن موضوع الإفصاح عن العمليات مع ذوي العلاقة في الجامعات والأمانات والبلديات والمؤسسات العامة بشتى أنواعها، وأن تحدد الدراسة المقصودة الطرق المثلى لهذا الإفصاح ولمن يتم توجيهه وأن يكون هناك تقرير مستقل من مراجع الحسابات لتأكيد صحة هذا الإفصاح وأن تحدد قيمة المعاملات التي يجب الإفصاح عنها، ونوعها، وأن يتم رفع صورة من هذا التقرير إلى ديوان المراقبة العامة الذي يتأكد منه أيضا وصورة منه إلى الهيئة العامة لمكافحة الفساد. وأن تتولى هذه الجهات مراجعة هذه العمليات والاستفسار عنها ورفع تقرير شامل عن مستوى العمليات مع ذوي العلاقة في القطاع الحكومي وشبه الحكومي إلى مجلس الوزراء. هذا الإجراء المهم جدا سيحمي الاقتصاد ويعزز من رقابة المجالس المعنية ويحد كثيرا جدا من التصرفات غير القانونية والشكاوى التي في هذا الجانب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي