Author

رافقتكم السلامة

|
منذ كنت طفلة، وأنا لا أحفظ في طرق السفر بين الرياض ومكة، أو جدة والرياض، سوى لوحات: أهلا وسهلا، ورافقتكم السلامة، عند كل مدينة صغيرة بين المدن الكبرى. حينها كانت الصورة تبدو رومانسية في أغلب الأحوال، لكنها اليوم أكثر واقعية، وباتت المدن الصغيرة تعني بعبارتيها تلك أكثر من مجرد لوحات لعابريها من المسافرين، وهي مجرد مكان للتزود بالوقود وشراء بعض العصائر! اليوم، ومع التوسع في إنشاء الجامعات والمعاهد والمستشفيات وشبكات الطرق، باتت تلك المدن الصغيرة بوابة لهجرة "عكسية" داخل البلاد لأصحاب الدخل المحدود ممن أتت بهم الطفرة في الثمانينيات الميلادية للمدن الكبرى (الرياض، جدة، الشرقية). دون شك أن هذه الهجرة العكسية هي نتاج تحديات اقتصادية تواجه رب الأسرة السعودية، وعليه مواجهتها، في ظل ارتفاع غلاء المعيشة في المدن الكبرى التي احتكرت حتى وقت قريب وجود الوزارات الحكومية والهيئات والمستشفيات والجامعات، وهو ما كان خطأ تنمويا كبيرا، حوَّل كثيرا من القرى والهجر إلى أماكن شبه مهجورة طوال العام بسبب هجرة أبنائها بحثا عن التعليم والعمل والعلاج. ولكيلا تبدو الصورة رومانسية أيضا، علينا أن نعترف بأن هذه الهجرة الداخلية، هي خطوة في الطريق الصحيح، لكنها تحتاج إلى تثبيتها، أن يكون هناك محفزات أكبر من مجرد مواجهة غلاء المعيشة في المدن الكبرى، وصولا لأن تصبح المدن الأخرى جاذبة لفرص عمل نوعية وكمية تلبي احتياجات التنمية، وأن تكون لكل مدينة "ثيمة" أو هوية صناعية أو سياحية أو تجارية، تصنع دوائر تنموية تصب كلها في مصلحة الاقتصاد الوطني، وتكمل حلقة التحول الاقتصادي لأن يكون المواطن مشاركا فعلا في حوار التنمية وليس مجرد متفرج على المشهد من حوله! طبعا نسمع عن محطات إقليمية حضرية، وعن ورش عمل مهمة في هذا السياق، وهو أمر يعكس استشعار صانع القرار في البلاد لأهمية تدوير التنمية وتسريع حركتها في عموم بلادنا، واستثمار الإمكانات لتلك المدن للحد الأقصى، وهو استشعار يكتمل باكتمال البنى التحتية لحياة الناس في تلك المدن التي مازالت تعاني نقصا كبيرا في خدماتها من حيث الكفاءة والجودة قياسا بالمدن الكبرى، كما أن هذا الاستشعار يصبح مشروعا واضح المعالم متى ما أصبحت فرص الحياة في تلك المدن ذات قيمة تنافسية تجعل المواطن يحمل أسرته وأمتعته ويذهب لمدينة صغيرة لا ليعبرها باتجاه مدينة أخرى كبيرة، ولا ليتزود بالوقود ثم يرمق المكان بنظرة سريعة وسؤال لمرافقيه: كيف يعيش هؤلاء الناس في هذا المكان؟!.. بل يحمل أسرته لمدينة صغيرة ليبدأوا جميعا: حلما كبيرا. شخصيا: أعتقد حين تجد شابا أو شابة في يوم المهنة يرد على سؤال مراسل تلفزيوني: ما خطوتك القادمة؟ ليرد مثلا، بثقة وحبور: أفكر في إنشاء مشروع في رابغ أو حقل أو شقراء.. هناك فرصة لي هناك.. بينما تقول زميلته المتخرجة في قسم آخر إن حلمها في جازان أو ينبع أو حفر الباطن.. حينها، ستملأني الثقة أننا نسير في طريق التنمية السريع.
إنشرها