9 ساعات عملا
تحدثت بالأمس عن محاولات توجيه المستثمر الصغير نحو مجالات معينة دون أن يكون ذلك مبنيا على قواعد علمية معتبرة. هذه الإشكالية شاهدناها في الاستثمار الفضائي، وغيره من الأعمال حتى أن واحدة من المتلازمات عندنا كانت عبارات مثل "بين كل بقالة وبقالة بقالة".
حقيقة شاهدناها تتكرر في أكثر من مجال حتى أن المصارف، وهي المستثمر الأكبر، أصبحت تعاني المتلازمة نفسها. لم تختلف النظرة خلال عقود شاهدنا فيها سقوط أعمال وصعود أخرى، ولعل المشهور اليوم هو قاعدة الصيدليات أو محال بيع الخضار التي تنتشر بكثافة غريبة.
نعم هناك فكرة خطيرة ألزمت بها البلديات من يرغبون في فتح محال من هذا النوع، لكنها فكرة لا تبنى على السلوك العام في المجتمع السعودي الذي يستخدم السيارة في كل تنقلاته مهما كانت محدودة المسافة. هذه القاعدة هي قاعدة الـ 500 متر.
أقول هذا ونحن نلاحظ انتشار الخدمات في مواقع معينة واختفاءها في مواقع أخرى، حتى يتقدم مستثمر جريء فيفتتح النشاط، وما إن يبدأ الناس في الإقبال على محله حتى تجد الشارع كله يعج بمحال من النشاط نفسه، لاحظ إن شئت محال صناعة وبيع القهوة العربية التي انتشرت كالنار في الهشيم في شوارعنا، رغم أن المحل يغلق قبل أن تكتمل أعمال ديكوراته.
أعود لقاعدة الـ 500 متر التي تبنتها غالبية البلديات، وقد قررت أخيراً تطبيقها على نشاط لا يمكن أن يتخيل الواحد منا تطبيقها عليه، ألا وهو نشاط المولات. أحدث التعليمات تمنع إنشاء مول في مسافة تقل 500 متر عن المول القائم.
أعتقد أن النظرة هنا ليس لها حظ كبير من النجاح، لسبب بسيط وهو أن المول الذي يتكون من أكثر من 100 محل تجاري يتطلب كمّا غير قليل من الخدمات، ثم إن وجود المولات بهذا الشكل غير المنظم والمتكدس، سيدفع بمزيد من التجار نحو المجازفة من جديد، والعودة لنقطة الصفر.
عود على نقطة المستثمر الصغير الذي هو الضحية في النهاية للنظريات المطروحة في السوق. إن عدم تحديد أوقات عمل لا تتجاوز تسع ساعات في اليوم لأي من المحال المراد سعودتها، هو دعوة لخسارة المواطن النشاط لمصلحة الأجنبي الذي يمكن أن يعمل بالتعاون مع شركائه لساعات أطول بكثير.