Author

حقا .. «القِدر ما يركب إلا على ثلاث»

|
ليس حدثا عاديا أن يقفز المشهد التنموي للاقتصاد الاجتماعي ليتصدر أخبار الحياة في السعودية بتوقيع اتفاقية سعودية - أمريكية لرفع كفاءة العنصر البشري في قيادة مؤسسات العمل الاجتماعي في السعودية. الأجمل في الأمر أن رعاية حكومية رفيعة المستوى كانت جزءا من المشهد أثناء توقيع اتفاقية برنامج الزمالة الخيري السعودي "شغف"، بين مؤسسة الملك خالد الخيرية ومؤسسة بيل وميليندا جيتس، الهادف إلى عمل الشباب السعودي من الجنسين في القطاع غير الربحي والإسهام في تطوير خدمات منظومة مؤسسات المجتمع المدني. والحقيقة أن عراقة مؤسسة الملك خالد الخيرية في تأسيس لبنات العمل الخيري في السعودية، هي الآن تنعكس أكثر بترسيخ ريادتها لقيادة المؤسسات الاجتماعية في السعودية نحو جودة في المفهوم والرؤية والاستثمار والتأثير وإيجاد قوى تنافسية تعمل على نشر وتأصيل العمل الخيري المؤسسي وإخراجه من المعتاد. وعندما كان أجدادنا الأوائل في المثل الشعبي يرددون أن "القِدر لا يركب إلا على ثلاث" كناية عن لغة التوازن، فإنهم كانوا يستشرفون المستقبل أن "قِدر التنمية" هو الآخر لا يركب إلا على ثلاثة: قطاع حكومي، وقطاع خاص، وقطاع ثالث "منظمات ومؤسسات غير ربحية".. إنها لغة التوازن في بناء المجتمع بطرق واعية شفافة ومستدامة لنصنع حوارا اقتصاديا واجتماعيا قادرا على فهم احتياجات الحاضر وتطلعات المستقبل. وبلغة الأرقام لنستشعر أهمية القطاع الثالث، هل نعرف وفقا للإحصائيات الرسمية الأمريكية أن القطاع الخيري ضم أكثر من مليون ونصف المليون منظمة وجمعية و32 ألف مؤسسة وقفية، فيما يرخص لعشرات الجمعيات يوميا، في الوقت الذي ما زلنا فيه نقدم قدما ونؤخر الأخرى أمام التصريح لأي جمعية جديدة، إما لضعف المخرجات أو عدم قدرة الجمعيات القائمة على تحفيز الجهات المرخصة بالتوسع في مسائل الترخيص نتيجة عشوائية وضبابية أداء العمل الخيري في بلادنا.. نحن اليوم أمام مسألة في غاية الأهمية وهي أن علينا فعلا إعادة التفكير في كل منظومة العمل الخيري، بل القطاع الثالث، وأن تكون مثل هذه الاتفاقيات لبنة أساس لدول سبقتنا بمراحل في تأسيس وإدارة المنظمات غير الربحية، والقفز بأدائها لمراحل جعلتها ركنا أساسا في رسم خريطة التنمية المستدامة لبلدانها وشعوب العالم الأخرى. نحن اليوم أمام شغف حقيقي لإعادة رسم مستقبل ما يقارب 700 جمعية خيرية في بلادنا، وأنه آن الأوان لهذه المؤسسات أن ترقى بأدائها لمستويات عالية من الجودة والشفافية والسعي لتطوير عناصرها البشرية بصورة تجعل منها حقا: "القطاع الثالث" وليس "القطاع التالف" الذي لا يعيش إلا بدعم حكومي كامل لموازناتها، ورسالة اجتماعية لا تكاد تخلو من استدرار العطف والإحسان، دون أن تتشكل في واقع الحال سوى بعض المبادرات المشكورة التي تغيب في صراع "الغث والسمين". بصدق.. المجتمع يحتاج إلى أن يرى نفسه في مرآة: القطاع الثالث!
إنشرها