ميليشيا «حزب الله» .. واختطاف السياسة اللبنانية
من المؤسف أن يرى بعض اللبنانيين جهة واحدة من المعادلة. هذه المعادلة غير المتكافئة تقول إن استعداء ميليشيا «حزب الله» يزيد التوتر داخل البيت اللبناني، لكن هؤلاء يعجزون عن تقديم حلول عملية لكيفية التعامل مع تهديدات ميليشيا «حزب الله» للمنطقة العربية، فضلا عن أن يمنعوا هذا الفصيل من استماتته في زرع خلايا له في المنطقة. فما ذكره وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في كانون الثاني (يناير) الماضي من أنه امتنع عن التصويت على بيان لجامعة الدول العربية، الذي يدين الهجوم على القنصلية والسفارة السعودية، لأن البيان جاء على ذكر حزب الله اللبناني واتهمه بالإرهاب. ثم ذكر أن الوحدة الوطنية اللبنانية أولوية لبنانية.
قد نتفق مع ما ذكره وزير الخارجية إذا كانت ميليشيا «حزب الله» تمثل أحد أطياف الشعب اللبناني، لا أن تكون حكومة داخل الحكومة اللبنانية عمليا. فالحزب يمتلك السلاح الذي يلوح به فعليا إذا لم تكن قرارات الحكومة اللبنانية تصب في مصالحه، فضلا عن ألا تتعارض مع مصالحه المباشرة، التي في أساسها مصالح إيرانية. فمثلا ما زالت أحداث بيروت عام 2008 ماثلة للعيان عندما استولت ميليشيا «حزب الله» على بيروت وحاصرت بعض بيوت السياسيين داخل الحكومة اللبنانية، نظرا لتبني الحكومة اللبنانية وقتها قرارات ضد توجهات ميليشيا «حزب الله» . فالحزب لم يستخدم الطرق الدبلوماسية لمعارضة قرار الحكومة اللبنانية عندما حاولت الحكومة اللبنانية إيقاف شبكة الاتصالات الخاصة بميليشيا «حزب الله» والقرار الآخر الخاص بإقالة رئيس أمن المطار لارتباطه الوثيق بميليشيا «حزب الله» . فالحكومة اللبنانية في ذلك الوقت حاولت أن تفرض إرادتها وتدافع عن سيادتها في قراراتها. لكن الحزب لم يتحمل تلك القرارات، ما دفعه إلى احتلال بيروت وفرض رأيه بقوة السلاح. ولعل اللبنانيين قبل غيرهم يدركون أن شعار المقاومة والممانعة لم يعد ينطلي على رجل الشارع البسيط، خصوصا أن ميليشيا «حزب الله» تفرض إرادتها بقوة السلاح متى ما دعت الحاجة إلى ذلك. ولعل رفع العقوبات عن إيران سيزيد من تسلط ميليشيا «حزب الله» ، واختطافها السياسة اللبنانية.
لذا كيف يتحدث وزير الخارجية عن الوحدة الوطنية اللبنانية إلا إذا أقر أن قرارات الحكومة اللبنانية مختطفة من قبل فصيل واحد يلوح بالسلاح لفرضها على الجميع. لا شك أن وزير الخارجية اللبناني يدرك أن دول الخليج العربي أحرص الدول على وحدة لبنان، خصوصا أنه سبق للسعودية أن تبنت اتفاق الطائف الذي أسهم في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية. المشكلة أن وزير خارجية لبنان يريدنا أن نتعامل مع السياسة اللبنانية بازدواجية بين ما تقوله الحكومة وما تنفذه ميليشيا «حزب الله» على أرض الواقع.
دول الخليج العربي وبقية الدول العربية عندما اعتبرت «حزب الله» حزبا إرهابيا لم يكن مجرد ردة فعل طائشة، إنما بناء على أحداث متعددة ودلائل واضحة لمعاداة هذا الحزب للخليج وأهله. بل إن ميليشيا «حزب الله» تعدى دورها من مجرد طيف من أطياف المجتمع اللبناني إلى الدخول في حرب ضد الشعب السوري ومباركته الانقلاب على الشرعية في اليمن، كما تعدى الجغرافيا اللبنانية بمحاولته تأسيس ميليشيا طائفية وخلايا نائمة وغير نائمة تسعى إلى تقويض الأمن الوطني لكل دول الخليج العربي.
فمن غير المعقول أن يريد منا سياسيو لبنان أن نتعامل مع ميليشيا «حزب الله» كأحد أطياف الأحزاب اللبنانية في الوقت الذي تتحول فيه نشاطاتها خارج الحدود اللبنانية، بل أصبحت ميليشيا «حزب الله» هي المحرك الحقيقي والفعلي للسياسة اللبنانية. فإذا كانت ميليشيا «حزب الله» لا تمثل رأي الحكومة اللبنانية كما يردد بعض السياسيين اللبنانيين، فعلى الحكومة اللبنانية إعلان أن قراراتها مختطفة من قبل إحدى الميليشيات العسكرية التابعة لإيران.
نريد من اللبنانيين موقفا واضحا تجاه هذا الحزب الذي تخطى بأفعاله جميع الخطوط والحدود، وأصبح يشكل خطرا حقيقيا لدول الخليج والدول العربية إجمالا. لا شك أن اللبنانيين عليهم مسؤولية وطنية وعربية وتاريخية لإعادة لبنان إلى إطاره العربي. فالمرحلة الحالية مرحلة حرجة تتطلب من اللبنانيين بجميع طوائفهم انتفاضة حقيقية في وجه ميليشيا عسكرية استطاعت اختطاف السياسة اللبنانية الداخلية والخارجية، والارتماء في الحضن الإيراني. فالحكومات العربية وغير العربية سئمت ولم تعد تحتمل ازدواجية ما تقوله الحكومة اللبنانية، وما تنفذه ميليشيا «حزب الله» على أرض الواقع. لذا فكلنا أمل أن ينتصر لبنان لنفسه، ويعود إلى الحضن العربي من جديد.