حياة فيل روفين تشكل رواية عظيمة بغلاف ورقي. فهو، قبل كل شيء، صاحب المليارات الأمريكي النادر الذي استعاد ملكية قرد أليف لمصلحة متجر عام في تكساس، واستثمر ثروة متجذرة في متاجر كانساس وحولها إلى أعمال كازينو قابضة في جزر ألبهاما ولاس فيجاس، وتزوج من ملكة جمال أوكرانية تصغره بأربعة عقود، وانتهى به المطاف إلى العيش في قصر يسكن فيه الأمير جفري، من بروناي. لكن بعد 81 سنة من العمل الشاق، والعمل الشجاع، والحظ الجيد، يجد نفسه الآن في دور غير متوقع مطلقا: شخصية على الساحة السياسية. روفين هو شريك تجاري، وصديق وحليف لحملة دونالد ترامب. الاثنان شريكان في ملكية فندق وبرج ترامب الدولي في لاس فيجاس. عندما تزوج روفين عام 2008، كان ترامب إشبينه في الحفل. وعندما احتفل ترامب بفوزه في الانتخابات الحزبية للحزب الجمهوري في ولاية نيفادا، استضاف الحفل فندق جزيرة الكنز الذي يملكه روفين.
وفي الوقت الذي يحاول فيه العالم فهم مهنة الأعمال المسلية والبروز المستغرب لترامب في الجزء العلوي من الحقل الجمهوري للرئاسة، يقدم روفين وجهة نظر نادرة من الداخل. الشريكان في الفندق ذي الملكية المشتركة، المؤلف من 64 طابقا، الذي يطل على لاس فيجاس، يشكلا مجتمعا من الإعجاب المتبادل. كل واحد منهما يرى شيئا من نفسه في الآخر. كلاهما يشعر أنه جزء من سلالة نادرة.
وبينما كان ترامب يقدم شريكه في اجتماع حاشد في ولاية أيوا هذا العام، وجَّه لروفين ربما المجاملة المطلقة - وقال للحشد إنها هي نفسها المجاملة التي اعتاد والده الراحل فريد أن يضفيها على ابنه. قال ترامب عن روفين: "إن الأمر وكأن كل ما يلمسه يتحول إلى ذهب". ويعترف روفين بـ "فطرته" في معرفة الصفقات الجيدة، ويرى اتجاها مماثلا في ترامب. ويقول: "دونالد يستخدم الكثير من فطرته"، واصفا شريكه في العمل بأنه "النجم الرئيس في الذكور".
روفين يقول في مقابلة أجرتها معه "فاينانشيال تايمز" في مكتبه في لاس فيجاس: "أنت على طاولة مع سبعة أو ثمانية أشخاص، ستجد أنه يسيطر". ويضيف: "إنه استثنائي جدا. أنت لا تجد هذا النوع من الناس يركضون للترشح للرئاسة. بل تجد أولئك الرجال المحامين من الفئة ب. إنهم لا يعرفون أي شيء. مقارنا بذلك دونالد مع «سناتور تكساس تيد» كروز، و«سيناتور فلوريدا ماركو» روبيو، أو بعض من هؤلاء الرجال - هذا الأمر وكأنه رجال ضد أولاد".
ألقى روفين حكمه بهدوء. هذا الرجل النحيل المراوغ من مدينة ويتشيتا في ولاية كنساس، الذي كان يزن 147 رطلا عندما كان يفوز بلقب المصارعة في المدرسة الثانوية، له أسلوب معاكس لصديقه المتهور من نيويورك. يرتدي نظارات بحواف سلكية. شعره الخفيف، المصبوغ باللون البرتقالي الغامق، ينسدل بشكل عشوائي على جميع أنحاء فروة رأسه، على عكس تسريحة ترامب المنظمة.
هؤلاء أشخاص من ذلك النوع من الأمريكيين الذين استوحوا وصف المؤرخ والتر ماكدوجال للولايات المتحدة على أنها أمة من "المتشاطرين"، وهي الكلمة التي كان يعني بها "بناة، وصالحين، ونشيطين جدا، وحالمين، ومجتهدين، ومخترعين، ومنظمين، ومهندسين" وكذلك "الذين يتأثرون بأنفسهم، يضربون بالقوانين عرض الحائط، محتالين أحيانا ويعيدون اختراع أنفسهم على فترات متقطعة".
كلاهما يتتبع تاريخ عائلته في الولايات المتحدة إلى التخوم. ترامب هو حفيد مهاجرين ألمان شاركوا في ذروة ذهب ألاسكا قبل أن يستقروا في نيويورك. أما روفين فقد غادر جده لأبيه لبنان إلى أوكلاهوما، حيث يتذكر والد روفين أنه شهد عام 1924 المعركة التي أودت بحياة بيل تيلمان، حامل السلاح الأسطوري ورجل القانون في دودج سيتي، كانساس.
لم يستحدث ترامب ولا حتى روفين تطبيقا ذكيا، أو يصدر أمرا لبدء مشروع معقد في جنرال إلكتريك أو جولدمان ساكس أو جوجل. هما ناقلان ومتعاملان في العقارات والفنادق والكازينوهات وفي أي شيء آخر يأتي في طريقهما. لهما محيط حيث يتكون المال عن طريق انتهاز اللحظات، والضغط على المقاولين، وقتال الدائنين، و"دفع ودفع ودفع"، على حد تعبير ترامب في "فن الصفقة"، كتابه الصادر عام 1987.
يقول روفين: "نتفاوض في كل وقت. نتفاوض حول شيء ما كل أسبوع".
تقاليد المتشاطرين
ظهر روفين في حياة ترامب أواخر التسعينيات، عندما كان المطور ومشغل الكازينو في نيويورك في حاجة إلى أصدقاء جدد. وكان عديد من أصدقائه القدامى قد ضاقوا به ذرعا. تحت وطأة جبل من الديون، كثير منها مدعومة بضمانات شخصية، بدأ العقد بالسعي إلى إعادة تنظيم إمبراطورية شركاته في محكمة الإفلاس الفيدرالية.
السنوات الطوال من التجريب التي تلت ذلك كانت قاسية تماما بالنسبة لجميع الأطراف المعنية. كان ترامب قد اضطر إلى التخلي عن عديد من ممتلكاته الثمينة - فندق بلازا التاريخي في نيويورك، وشركة الخطوط الجوية المسماة باسمه، ويخته الذي يبلغ طوله نحو 86 مترا وأشياء أخرى. و"دفع ودفع ودفع"، كما قال. حتى في هذه الأيام، المصارف الرائدة في نيويورك، مثل جيه بي مورجان تشيس وسيتي جروب، التي عملت الشركات السابقة التابعة لها على تأييده في الأيام الخوالي، تتجنب الاقتراب من ترامب.
لكن اسم ترامب لا يزال يُعزف في المحافظات. بعد الاستيلاء على فندق فرونتير في لاس فيجاس عام 1998، قال روفين إنه استطلع رأي ترامب بشأن التعاون. "اعتقدت أنه يمكن أن يساعدني في الفندق، وأن يفعل شيئا مع اسم ترامب"، مضيفا "ولكن ذلك لم ينجح أبدا".
لم يكن ترامب أبدا قد أدار كازينو في لاس فيجاس. لكن هذا أيضا ينطبق على روفين، على الرغم من أن مثل هذه التفاصيل لم توقفه قط من قبل. وكان منقطعا عن دراسته الجامعية وطريقه إلى النجاح الباهر بدأ في الخمسينيات، عندما أرسله مديره في متجر دبليو تي جرانت في هيوستن، تكساس، لاستعادة قرد كان قد تخلف صاحبه عن دفع ثمنه إلى تاجر التجزئة.
يقول روفين عن ذلك الحيوان الأدنى مرتبة من حيث التطور: "كان وغدا قليلا. كان قد عضني". لاعقا جراحه، تجسس روفين على رجل كان يقود "سيارة كاديلاك جميلة له شعر أحمر" يسير إلى جانبه. "قلت: من هو هذا الرجل؟"، وقيل له إنه مالك المتجر، روفين عزم على أن يكون مثله. بعد اقتراضه 1500 دولار من والده، الذي يعمل بقالا، عاد إلى ويتشيتا واشترى متجرا صغيرا عام 1959.
#2#
تعاملت تجارة التجزئة مع روفين بشكل أفضل مما فعل القرد. وجاء أول تحول كبير في حياته بعد أن تبين أن متجره أصغر من أن تغطيه القوانين المحلية التي تتطلب إغلاقه يوم العطلة الأسبوعية. وبذلك كان يفتحه يوم الأحد وازدهر، واشترى المزيد من المتاجر في ولايات أخرى. وجاء تحوله التالي عندما ركّب مضخات وقود ذاتية الخدمة، وهي استراتيجية أثبتت أنها مربحة، وإن كانت ذات إشكالية، في مسقط رأسه في ولاية كانساس.
يقول روفين: "حدث أن كان ذلك غير قانوني في ذلك الوقت". لكنه شن بعد ذلك معركة قضائية ألغت الحظر وأمنت حق الناس في كانساس في ضخ البنزين الخاص بهم.
ومع اقترابه من عيد ميلاده الـ 60، كان روفين يمتلك أكثر من 60 متجرا ومزرعة للألبان لتزويدها بالحليب، فضلا عن عقارات وفنادق وآبار نفط. لكنه لم ينته من ذلك بعد. أجّر مواقع التجزئة التابعة له لشركة توتال الفرنسية وتوجه إلى الخارج عام 1994، لشراء منتجع كريستال بالاس في جزر ألبهاما مقابل 80 مليون دولار من "كرنفال"، وهي شركة للسفن السياحية. وبمساعدة من بيري كريستي، وهو محام، والآن رئيس وزراء جزر ألبهاما، حصل روفين على ترخيص للقمار واستوطن هناك.
ويقول: "الجزء الجيد حول جزر ألبهاما هو أن الإجمالي يصبح صافيا، ليس هناك ضريبة دخل". باع روفين المنتجع مقابل 147.5 مليون دولار عام 2005. ويضيف: "أود ممارسة أعمال تجارية في جزر ألبهاما. كان الأمر سهلا جدا. لم يكن لدينا أجور مرتفعة".
وثمة فائدة أخرى شخصية. وجد روفين شعره الأحمر في سيارة كاديلاك عندما شاركت أوليكساندرا نيكولاينكو، ممثلة أوكرانيا في مسابقات جمال متعددة في أحد أجنحة كريستال بالاس. عندما احتفلا بالعرس في نادي شاطئ مار ألاغو، التابع لترامب في بالم بيتش، فلوريدا، كان عمر العريس 72 عاما والعروس 26. تأثر الإشبين بصورة كبيرة إلى درجة أنه تحمل فاتورة جميع الضيوف. يقول روفين: "كان جنونا"، مقدرا أن اللفتة كلفت ترامب 300 ألف دولار.
روفين لا يزال يحب ما يراه في زوجته ـ برهن على ذلك عندما دخلت إلى مكتب زوجها أثناء مقابلته مع "فاينانشيال تايمز" لتعطيه هاتفا ذكيا كان قد تركه في منزلهما. ويسأل سؤالا لا يحتاج إلى جواب: "أليست جميلة؟". إقامة روفين المؤقتة في جزر ألبهاما مهدت الطريق لانتقاله إلى لاس فيجاس وشراكته مع ترامب. قال إنه علم عام 1997 أن "فرونتير"، منشأة الشيخوخة مع حيازات لأراض كبيرة على طول القطاع، كانت للبيع. ولكن هناك مشكلة واحدة: الاتحاد المحلي لعمال الطبخ 226 - المعروف باسم "الطبخ" - كان في إضراب لأكثر من ست سنوات. ولنجاح الصفقة، كان على روفين التوصل إلى اتفاق واحد لشراء العقار - دفع 165 مليون دولار لعائلة إلاردي - واتفاق آخر مع الزعيم النقابي، جون فيلهلم، لرفع الإضراب.
يتذكر روفين: "التقيته في قصر سيزر". وافق على استعادة السيطرة على المضربين وتغطية ما كانوا يستحقونه، في مقابل خفض الرواتب في السنوات المقبلة. تلا ذلك السلام في قوة العمل. "لدي خبرة في النقابات"، كما يقول روفين، الذي تعامل سابقا مع اتحاد سائقي الشاحنات في شركته لمنتجات الألبان في كانساس. ويضيف: "إنهم حازمون في التعامل - يا الله، أليس كذلك. إذا كان يمكنك التعامل مع سائقي الشاحنات، التعامل مع عمال الطبخ كان سهلا".
الزجاج المحفور
أصبح روفين الرجل ذو اللمسة الذهبية - في عيون ترامب - عندما باع موقع فرونتير عام 2007 مقابل 1.24 مليار دولار إلى "إلعاد" الإسرائيلية. الصفقة قدرت قيمة الأرض بأكثر من 30 مليون دولار للفدان، نحو عشرة أضعاف ما يقول الخبراء إنها ستُدره بعد الأزمة المالية. وبعد محاولات فاشلة لاستثمار العائدات في وول ستريت - يقول روفين: "لم تكن لدينا الخبرة للتعامل مع هؤلاء الرجال" – بقي في لاس فيجاس، وتوصل إلى اتفاق بقيمة 775 مليون دولار عام 2009 لشراء فندق جزيرة الكنز وكازينو لمجموعة إم جي إم ميراج التي يملكها كيرك كيركوريان.
وأثبتت تعاملات روفين مع ترامب في لاس فيجاس أنها أقل ربحية. وبعد أكثر من عشر سنوات، استقرا على خطة لبناء فندق بملكية مشتركة - برجين توأم - على أرض مملوكة لروفين وراء فرونتير. ووفقا لروفين، ترامب كان قلقا في البداية من أن موقع "ترامب إنترناشونال" كان بعيدا جدا عن الطريق العام.
وقال روفين إن كل واحد من الشريكين استثمر نحو 20 مليون دولار واستطاعا تأمين قرض تجاوز 500 مليون دولار بقيادة هيبو للعقارات في ألمانيا، لبناء البرج الأول. وبمرور الوقت كان شامخا عام 2007، واعتقد الشريكان أن لديهما عروضا لمعظم الوحدات التي يبلغ عددها 1282 وحدة. لكن عندما هبط الاقتصاد الأمريكي، أغلق نحو 300 من تلك الصفقات ووضعت خطط بناء البرج الثاني على الرف.
يقول روفين: "بدأنا نخسر ثمانية ملايين دولار سنويا. ووضعت أربعة ملايين دولار في المشروع. ووضع هو أربعة ملايين دولار. ولم يشكُ أبدا". ويضيف: "إنه صبي واع. وأنا صبي واع. أحيانا تخسر المال على هذه الأشياء". ما كان يخفف من وقع هذه الضربة هو العلاقات الاجتماعية بين عائلة روفين وترامب (69 عاما) وزوجته الثالثة، ميلانيا (45 عاما) التي كانت عارضة أزياء سلوفينية في السابق. وقد شملت أنشطة الأزواج الأربعة في السنوات الأخيرة مشاهدة فيلم لينكولن، الذي على ما يبدو أنه أشعر كلتا الزوجتين بالملل.
قال روفين في "جورنال ريفيو" في لاس فيجاس عام 2013: "المرأتان أصلا من أوروبا ولم يكن لهما علم بأحداث الفيلم".
ويرى روفين أن آفاق البرج في الوقت الحاضر آخذة في التحسن: "ليس علينا ديون الآن". ويضيف: "إنه يحقق ربحا الآن". مع وجود 418 وحدة غير مبيعة حاليا، يعتقد روفين أن الشريكين "يمكن أن يبيعا الرصيد الباقي مقابل "30 مليون دولار أو 400 مليون دولار".
في وقت لاحق بعد كل هذه السنوات، هذا المشروع هو أيضا مشروع قيد التنفيذ. ونحو أربعة أفدنة من الأراضي المتاحة في الموقع تتيح للشريكين الفرصة لإضافة مرافق للمؤتمرات أو حتى كازينو. وتتضمن الورقة الرابحة الأخرى نقابة "لوكال 226". لقد صوّت عمال البرج ليتم تمثيلهم من قبل النقابة، لكن ترامب، باعتباره مديرا مشاركا، لا يزال يناضل لإبقاء "لوكال 226" بعيدا. ويقول مسؤولو النقابة إنهم واثقون من النصر في نهاية المطاف.
يقول روفين إنه يتعامل مع ابن ترامب، إريك، حول مسائل البرج، بعد أن بدأت حملة الانتخابات الرئاسية. وفي حين أنه يعطي رأيا إيجابيا بخصوص إريك، إلا أنه يفتقد تعامله القديم مع ترامب. "لقد اعتدنا الحديث عن رجال الأعمال في كل وقت – وعن هذه الصفقة أو تلك الصفقة". ويقول: "عندما رأيته يعمل هنا في برج ترامب، إنه رائع حقا. إنه يتخذ القرارات بسرعة. تجده يسير في المبنى مع المقاول ويقول: افعل هذا، قم بذلك، عليك القيام بذلك. أنا لا أريد هذا الزجاج في غرف الاستحمام، أريد الزجاج المحفور". يقول روفين إن ترامب "سيكون رئيسا عظيما" وتبرع بمبلغ مليون دولار لقدامى المحاربين أثناء حفل لجمع التبرعات للمرشح في كانون الثاني (يناير). وهو يثق بغرائز ترامب، مثلما يثق بغرائزه، لكن هناك أيضا جزء منه يتساءل: لماذا شخص مثله لديه كل هذه الثروة في الحياة يحمِّل نفسه كل هذا العناء لشغل منصب في البيت الأبيض. روفين أقرب إلى كونه رجلا ذا شعر أحمر يمتلك سيارة كاديلاك.
ويقول عن طموحات صديقه ليصبح رئيس الولايات المتحدة: "كان له دائما اهتمام بالسياسة. فكر في الترشح للرئاسة مرة أو مرتين. قلت له لا ترشح نفسك (...) يا رجل أنت تملك العالم، فماذا تريد أكثر من ذلك؟ أنت تجني 200 مليون دولار سنويا. ولديك كل ما تتمنى". فقال ترامب: "هذا الأمر يعاني اختلالا وأستطيع إصلاحه".


