هل نقرأ المشهد كما يجب؟
مع تسارع الأحداث والتغيرات الثقافية والسياسية، ومع ما تشهده منطقتنا من أحداث جسام وتحولات لا يمكن التنبؤ بما ستنتهي إليه الأمور، ولأهمية ما يقوم به الإعلام من دور في التعرف على حقيقة الأوضاع ومسار الأحداث ومحاولة تفسير أسباب الأحداث ومن يحركها ويقف وراءها، تستضيف وسائل الإعلام المحللين والمختصين أو من يعتقد أنهم كذلك، كما ينشط الكتاب في الصحف في تدبيج المقالات في محاولة لتفسير الواقع، وما سينتهي إليه، ولعله من المناسب التساؤل بشأن دقة التحليل والاستنتاجات التي يتوصل إليها الكاتب أو من تتم استضافته في الفضائيات.
الإجابة عن السؤال تقتضي معرفة المرجعية التي يستند إليها المحلل، وهل لديه معلومات كافية؟ وهل المعلومات دقيقة؟ وما مصادر معلوماته؟ وهل المصادر محل ثقة، أم أن التحليل قائم على تخرصات تشوبها مصلحة شخصية، أو ميول سياسية لطرف على حساب الطرف الآخر؟.
المحللون كثر بكثرة المجالات فيوجد المحلل الرياضي، والاقتصادي، والسياسي، والعسكري، والاستراتيجي وكل هؤلاء يدلون بدلائهم كل في مجاله وأحيانا يتعدى مجاله إلى المجالات الأخرى، والكل يحاول إشعار القارئ، أو المستمع بصحة ما يكتب أو يقول حتى كأنه يشعرك بقرب ما يتنبأ به وكأنه خلال ساعات أو أيام. في طفرة الأسهم التي أعقبها الهبوط السريع والمريع أذكر أن قناة العربية استضافت من يعتبر نفسه مختصا في سوق المال وكان يتحدث عبر التليفون من القاهرة، وما شد انتباهي أنه يحزم حقائبه في الفندق وفي الوقت نفسه يحلل سوق المال واتجاهاته حتى أنه قال بلغة جازمة إن المؤشر سيصل إلى 30 ألفا وكان حينها في حدود 23 ألفا، وما هي الا أيام حتى حصل الانهيار الذي تسبب في خسائر فادحة، وتأذى بسببه الكثير من الناس. هذا مثال في المجال الاقتصادي، والسؤال: كم من الناس تضرروا بتحليل مثل هذا الفرد الذي لم يقرأ آليات السوق قراءة صحيحة، ولا يعرف العوامل المؤثرة فيها سواء كانت محلية، أو دولية، والسبب تصنيف الإعلام لهذا وغيره بالمختص المالي.
في المجالين السياسي، والعسكري تابعت بعض المحللين الذين تكثر استضافتهم من قبل وسائل الإعلام، منذ بداية الثورة السورية، وكم كان البعض منهم بسيطا، لحد تجاهل الكثير من المعطيات المؤثرة في سير الأحداث، حتى أن بعضهم يغري عرضه باستخدام عروض حاسوبية مطعمة بالصور، والألوان، والخرائط، ومدعمة بنسب المساحات من الأرض السورية التي يسيطر عليها كل طرف، ومن يشاهد العروض، ويسمع ما يقال يظن أن انتصار الثورة السورية قاب قوسين أو أدنى، وها نحن ندخل العام السادس، والأمور لا تزال بين مد وجزر.
أحداث اليمن هي الأخرى نالت اهتمام المحللين العسكريين، والاستراتيجيين، وكما حدث بشأن الثورة السورية من تحليل عند البعض يصل إلى التسطيح يتكرر المشهد، فالبعض يتجاهل الجغرافيا، ويتجاهل التركيبة الاجتماعية، والقبلية، والمصالح لكل طرف، ولذا نجد الكثير من التحليلات تأتي خلاف المتوقع، وهذا يعود في الأساس إلى إغفال الكثير من أسس التحليل ومرتكزاته.
ما ذكر من سلبيات وأخطاء يقع فيها المحللون لا يعني عدم وجود محللين متميزين يبنون تحليلهم وفق منطلقات علمية، وأسس نظرية، وشواهد تاريخية، وإحصائيات دقيقة سليمة المصادر، إضافة إلى قراءة الواقع بشكل موضوعي، متجرد من الذاتية والانحياز المتعمد، أو غير المتعمد.
متابعتي للبرامج والأخبار التي يستضاف فيها محللون من مختلف المشارب لاحظت الفرق بينهم، حتى أن البعض تأتي استنتاجاتهم صحيحة، كما أن تنبيهاتهم، والمحاذير التي يؤكدون عليها كذلك، بل إن الواقع يصدق ذلك لتأتي النتائج مطابقة لما حذروا منه في حال عدم الأخذ بما أشاروا إليه. ما من شك أن قراءة الأحداث والتنبؤ بمآلاتها ليس بالأمر الهين خاصة لمن لا يوظف الآليات المناسبة، خاصة أن الأحداث مرتبطة بالبشر بمشاعرهم واتجاهاتهم ومعتقداتهم وإرثهم الحضاري الذي يشكل طريقة تفكيرهم والتحالفات التي يبنونها، فالمكونات في أي مجتمع متداخلة نسبا، وأحلاف قديمة تتوارثها الأجيال إضافة إلى المصالح المتبادلة. التحليل السليم هو الذي يأخذ صاحبه بكل هذه الأمور مدعومة بتفكير منطقي ومعلومات صحيحة.