السيكران

كتب بلجريف في رحلته إلى الجزيرة العربية عام 1862 عن نبات له مفعول يجعل الإنسان يصاب بنوبة من الضحك، فقال: "صادفت في القصيم، ولأول مرة، نباتا مخدرا تشيع زراعته في أقصى الجنوب، وله خصائص عجيبة، وبذور هذا النبات، التي يبدو أن المادة المؤذية موجودة فيها، عندما يتم طحنها وتعاطيها على شكل جرعات صغيرة، تحدث تأثيرات مماثلة لتأثيرات غاز الإضحاك.. والمريض عندما يتعاطى هذا الغاز، يغني ويرقص، ويقوم بحركات هيستيرية، على امتداد ساعة كاملة من الهياج يتسلى بها أولئك الذين يتفرجون عليه، بعدها يدخل في سبات عميق، وعندما يصحو من النوم يكون قد نسي كل ما فعله وما قاله عندما كان تحت تأثير المخدر. والإكثار منها له أخطاره بالفعل.. كما شاهدت بنفسي أيضا تأثير هذه المادة أثناء عملها؛ فهي تثير الكثير من الضحك برغم أضرارها الكبيرة، والنبات الذي يحمل هذه القرون لا يزيد طوله في أرض القصيم، على ست بوصات فوق سطح الأرض، ولكني رأيت في عمان أشجارا من هذه النباتات يصل طولها إلى ثلاثة أو أربعة أقدام".
وبدا لي للوهلة الأولى أنه يقصد الحشيش، لكني سرعان ما تراجعت عما بدا لي، ثم رأيت سعود المطيري في مقالة له يرجح أن هذه النبتة منقرضة، ويعقب قائلا: "إلا أن هناك شجرة تعرف حاليا في منطقة الحدود الشمالية بشجرة (السيكران) لها مفعول مشابه تستعمل في التطبب الشعبي، إلا أن تحذيرا طبيا ذكر أن جرعة زائدة قد تسبب هبوطا حادا يؤدي فورا إلى الوفاة". ثم رأيت كتابة للراوية عبدالله بن عبار يذكر فيها أن نبتة الفرفار وتسمى السيكران أيضا لأنها تسكر الإبل والغنم إذا رعتها وتبدأ في الهجيج يمينا وشمالا، وأضاف أن هناك نبتة تسمى شجرة العليان إذا أكل منها الإنسان يصاب بهلوسة، ويبدأ بالكلام دون شعور.
وشدني اسم نبات السيكران، فعدت إلى معاجم اللغة العربية، وكتب التراث، فوجدت له ذكرا قديما، فقد جاء في "لسان العرب" عند ابن منظور: "والسيكران: نبت؛ قال:
وشفشف حر الشمس كل بقية
من النبت، إلا سيكـرانـا وحـلـبـا

قال أبو حنيفة: السيكران مما تدوم خضرته القيظ كله قال: وسألت شيخا من الأعراب عن السيكران فقال: هو السخر ونحن نأكله رطبا أي أكل، قال: وله حب أخضر كحب الرازيانج". كما ورد في كتب الطب عند الرازي في الحاوي، وابن البيطار في الجامع، وذكره ابن حزم في المحلى فقال: "ولا يحل أكل السيكران لتحريم النبي- صلى الله عليه وسلم- كل مسكر، والسيكران مسكر".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي