اتفقت جهات عدة في الأشهر القليلة الماضية، على أن المملكة تتمتع باقتصاد مرن، قادر على مواجهة الأزمات الطارئة بل حتى المفاجئة، وأنه في السنوات الماضية، انتقل من مرحلة إلى أخرى بحيث وصل إلى الحالة الراهنة التي تكفل له استدامة ومصدات ضرورية ولا سيما في هذا الوقت بالذات. بالأمس، أكدت وكالة التصنيف العالمية "فيتيش" (على سبيل المثال)، أن النظام المصرفي السعودي يحتل المركز الرابع عالميا من حيث القوة، وقبلها أكدت مجموعة من الجهات الدولية المستقلة، أن السعودية تستطيع بسهولة الإقدام على القروض، لأن ديونها تعتبر منخفضة على المستوى العالمي. وتستكمل المملكة سلسلة من المخططات الاستراتيجية التنموية المستدامة، حتى في ظل التراجع التاريخي الهائل لأسعار النفط، بعد أن صممت على المضي قدما في سياستها النفطية إلى أن يسود الاستقرار سوق النفط العالمية، بصرف النظر عن الخسائر الآنية.
وسط هذا المشهد العام، يتفق أيضا اقتصاديون دوليون على أن السعودية جاهزة للخصخصة، بل قادرة على تجاوز سلبياتها. والخصخصة لن تكون خيارا في المستقبل، لأن الاقتصاد السعودي شهد خطوات عملية ومتجددة في السنوات القليلة الماضية، من أجل إيصاله إلى المستوى الذي ترغب فيه القيادة في البلاد. وهو مستوى يتماشى مع التطورات والاستحقاقات والمفاجآت أيضا. وإذا كانت السعودية قادرة على خوض الخصخصة، فهي أيضا مستعدة لتجنب السلبيات التي قد تنجم عن هذه العملية، كما يؤكد الاقتصاديون الأجانب. وهذا يعني، أنه لا توجد مخاطر تذكر في هذا الاتجاه، خصوصا مع إعداد الساحة لكل المتغيرات المطلوبة. ورغم ذلك، لا تزال هناك بعض الخطوات التي تحتاج إليها المملكة على صعيد استكمال مسيرة التغيير الاقتصادي. ويرى المختصون، أن مسألة العلاقة بين القطاعين العام والخاص، لا بد أن تكون أكثر وضوحا.
بمعنى آخر، أن تكون هناك قوانين واضحة تحكم هذه العلاقة، لأنها تصب بصورة مباشرة في أي عملية خصخصة تعتزمها الحكومة في المستقبل. علما بأن ما اتخذ من إجراءات وما تم من تحولات في السنوات الماضية، لا يخلو من تركيز القيادة على القطاع الخاص، وتشجيعه للعب دوره المأمول على صعيد التنمية والبناء. وفي السنوات المشار إليها، تم سن قوانين مختلفة في هذا المجال، تصب في تمكين الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتدفع باتجاه وضع القطاع الخاص ككل في قلب العملية التنموية كلها. وشمل ذلك أيضا، تشجيع الاستثمارات المحلية الخاصة في مختلف القطاعات، إلى جانب التشجيع الكبير للاستثمارات الأجنبية، خصوصا مع وجود ما لا يقل عن 18 قطاعا سعوديا جاهزا لاستقطاب هذه الاستثمارات.
الأرضية جاهزة الآن لأي عملية خصخصة بصرف النظر عن حجمها، في إطار مرحلة التمكين الشاملة. ومما لا شك فيه، أن الجهات المختصة تعد سلسلة من القرارات والقوانين التي توضح أكثر العلاقة بين القطاعين العام والخاص، وهو أمر يشير إليه المراقبون دائما. وتوضيح العلاقة ليس أمرا صعبا، ولا سيما في ظل انفتاح اقتصادي تاريخي تشهده السعودية، وهو انفتاح يمثل الدافع الرئيس في عملية التحول كلها. أي أن الاقتصاد الحكومي والريعي لم يعد مناسبا لا الآن ولا في المستقبل، وأن المملكة يمكنها الانتقال بهدوء وتوازن إلى المراحل الأخرى.
وعلى الرغم من تأكيد الاقتصاديين الأجانب أن الأرضية الراهنة يمكنها امتصاص أي سلبيات قد تظهر على صعيد الخصخصة، إلا أن التحرك المنهجي للمملكة في هذا الاتجاه، يتيح لها المزيد من الضمانات، وهي التي اعتادت على اتخاذ القرارات الكبرى، مستندة إلى الجدوى، والأهم إلى المصلحة العامة للوطن.
