يتحدث كثير من المثقفين بحرقة عما أصبح جزءا من الاهتمام الوطني من تحري الغريب والمضحك ليصبح المشهور الذي يتابعه الجميع. سبب الحرقة هو الحال الذي تغير جذريا بعد أن كان المثقف والعالم والمخترع هم القدوات والمعتبرين والذين يطمح كل واحد إلى اقتفاء أثرهم.
التطور السريع الذي مرت به ثقافة المجتمع أصاب كثيرا من المقلدين في الصميم. الغرب على ما يعيشه من مفارقات تحول بشكل تدريجي نحو الغريب والمضحك ليحتضنه ضمن المكونات الرئيسة للاهتمام العام. لكن هذا لم يكن ليؤثر في الأسس الموجودة فعلا من احترام وتقدير وتقديم العلماء وأساتذة الجامعات والباحثين وأصحاب الاكتشافات والمهارات المفيدة للمجتمع.
هذه الثنائية التي نفتقدها في مجتمعنا هي نتيجة لسرعة الانتقال, فمع التدرج في تغيير الاهتمام من نوعية من البشر لأخرى, ظهرت أهمية العناية بالأسس التي تقوم عليها الحضارة وتبنى عليها مقدرات الأوطان. بدأت عملية تنافس واضح بين الملهاة والجد في السيطرة على الواجهة والاهتمام العام.
اكتشفت الجامعات ومراكز البحوث والشركات الكبرى والدول عموما أنها لا بد أن تحارب في مواجهة الانطلاق نحو المتعة والتسلية, من خلال عمل منهجي مبرمج يحفظ للدولة وقارها ومركزها العلمي والحضاري. عمل مخطط يحمي المقدرات، ويدفع باتجاه الجديد والمميز في المجالات التي تحمي اسم ومقدرات الدول.
أنتج هذا الجهد مجموعة كبيرة من الكراسي العلمية ومؤسسات الدعم المالي والمعنوي والهيئات العلمية المتخصصة ومراكز البحوث التي تنفق عليها الدول والشركات بسخاء في سبيل المنافسة للوصول إلى المركز الأول في مجالات دعم وحماية الحضارة والتقدم.
أسهم هذا النهج في حماية كل مناحي الثقافة والعلم والتقنية، وأدى لنتائج هائلة بسبب استمرار محاولات الوصول للمراكز المتقدمة. التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي واحد من أهم الأمثلة على حجم الاهتمام بالبحث العلمي والدفع باتجاه التفوق على الجميع في المجال ولنا أن نقارن الكثير من الجهود التي تبذلها دول العالم في سبيل تحقيق المركز الأول.
أهم مؤشرات التفوق في مجال العناية بالبحث والتطوير هو الإنفاق العام في المجال. يمكن لمن يقرأ ميزانيات البحوث في أي دولة أن يعرف مركز هذه الدولة في سلم الاكتفاء الذاتي، كما يمكن أن يتكهن بمستوى الدولة الاقتصادي كذلك. أين نحن من هذا.. موضوع حديثي في الغد بحول الله.
