Author

أثر زيادة الحد الأعلى للتمويل العقاري

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
مشكلة السكن هي إحدى أهم القضايا التي تشغل المواطن، كما أن الجهات الحكومية التي لها علاقة بهذا الأمر أصبحت تجعل هذه المسألة أولوية في برامجها وإجراءاتها، وذلك باعتبارها قضية تهم معظم المواطنين في المملكة، والدعم الحكومي الكبير لهذه القضية، وسيكون حلها ـــ بإذن الله ـــ أحد أهم أسباب استقرار ورفاهية الأسر في المملكة. القرار الذي صدر من مؤسسة النقد، الذي يسمح للمصارف بأن تزيد من نسبة تمويل المواطن بغرض شراء السكن لتبلغ النسبة 85 في المائة بدلا من 70 في المائة الذي تزامن مع إقرار نظام الرهن العقاري في المملكة قبل بضع سنوات. هذا القرار واجه نقدا من كثير من الكتاب باعتباره سيكون سببا في الضغط على أسعار العقار، وبالتالي ارتفاع الأسعار بصورة مستمرة، الذي يمنع من فرص تملك المواطن العقار، أو أن يتملكه ولكن بتكلفة مرتفعة جدا. لا شك أن هذا القلق أمر له مكانه في مثل هذه القضية، خصوصا أن البعض أشار إلى أن الاهتمام بجانب التمويل فقط دون الأمور الأخرى المرتبطة بتكلفة السكن سيؤدي إلى ارتفاع مستمر في أسعار الأراضي، التي يرى كثير من المختصين أنه مبالغ في أسعارها حاليا. الحقيقة أن مسألة السكن وتمكن نسبة كبيرة من السكان من تملك السكن من خلال الدعم الحكومي الكامل قد يكون فيه صعوبة كبيرة أن يتم في فترة قياسية، الإشكالية في موضوع السكن تأتي من خلال وضع فرضيات قد لا تكون فعلا مؤثرة في موضوع حل مشكلة السكن، فالمتابع لما يكتب في هذا السياق يجد ربطا وثيقا بين أسعار الأراضي في المدن الكبرى وحل مشكلة السكن، والحقيقة أن هذه الفرضية قد لا تكون دقيقة، فأسعار الأراضي لو وصلت إلى النصف من قيمتها الحالية فقد لا تجد أن النسبة العظمى من الأفراد سيستطيعون تملك السكن، والأغلب خصوصا من المتقدمين بطلب السكن عبر موقع الوزارة يعولون على مبادرة من الوزارة تمكنهم من تملك السكن بآلية ميسرة، تتبنى من خلالها الوزارة بناء أو الإشراف على بناء مساكن من خلال ما لديها من مساحات شاسعة في مختلف المناطق، ومن ثم تمليكها للمواطنين بسعر التكلفة لفترة سداد تصل إلى مدد طويلة على غرار قرض الصندوق العقاري، وبناء عليه فإن ارتفاع أسعار الأراضي أو انخفاضها ليس طرفا في هذه المعادلة. ضعف النشاط العقاري وقلق المستثمرين خصوصا المطورين العقاريين كان له أثر سلبي في وفرة المعروض من المساكن في السوق، فرغم الركود الحاصل حاليا في بعض المناطق يتزامن معه ازدياد في نسب الأسر التي لا تمتلك مسكنا، ففي كل فترة تزداد أعداد الأسر بناء على الزيادة في أعداد السكان، وبازدياد أعداد الأسر وعدم وجود زيادة في نسب تملك المواطنين للمساكن يزداد تعقيد المسألة وطول أمدها، خصوصا عندما نعلم أن أسعار المساكن تؤثر فيها عوامل اقتصادية داخلية وخارجية، وإذا كان انخفاض سعر الأراضي يمثل حلا جزئيا فإن العوامل الأخرى الخارجية التي ترتبط بأسعار مواد البناء وتكلفة القوى العاملة التي تزيد مع الوقت سيكون لها أثر في استمرار زيادة تكلفة السكن. والمراقب اليوم للسوق العقارية سيجد في الفترة المقبلة أن الإقبال سيزيد على استئجار الوحدات السكنية، ومع ضعف الاستثمار في بناء وحدات سكنية للبيع أو التأجير، سنجد أن أسعار الإيجارات ستزيد، ما يجعل أمر تملك المواطن للسكن أكثر صعوبة وتعقيدا. زيادة سقف التمويل في هذه الفترة سيتزامن مع بدء تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء خلال الفترة المقبلة، وهذا قد يكون له دور في تمكين المطورين العقاريين من تملك أراض والبدء بمشاريع تستهدف احتياج المواطنين، ومن ثم طلب البعض منهم للتمويل وشراء مسكن من خلال هذا الخيار الذي قد يكون مناسبا أكثر للبعض، مقارنة بالخيارات التي تقدمها وزارة الإسكان. لا شك أن التركيز على جانب التمويل فقط قد يكون كارثيا بالنسبة إلى السوق، لكن الملاحظ اليوم أن العوامل الأخرى المرتبطة بالبناء بدأت تتأثر إيجابا لمصلحة انخفاض تكلفة السكن مع انخفاض وتيرة المشاريع الحكومية وبدء اكتمال بعضها، وانخفاض نسبي لتكلفة مواد البناء والقوى العاملة. فالخلاصة أن رفع سقف نسبة التمويل العقاري يتزامن مع مجموعة من المعطيات الجديدة في السوق العقارية ومنها الانخفاض النسبي لتكلفة مواد البناء، وقرب دخول الرسوم على الأراضي البيضاء حيز التنفيذ. واستمرار الركود في السوق العقارية دون تمكن المواطن من تملك السكن سيؤدي إلى الزيادة في تكلفة السكن بارتفاع تكلفة الإيجارات والارتفاع في تكلفة البناء مستقبلا التي قد تكون بعوامل اقتصادية خارجية بسبب التضخم حتى مع وجود فرضية انخفاض أسعار الأراضي.
إنشرها