Author

عناصر سوق العقار .. ومكمن الخلل

|
المستثمر والمطور والمستخدم، هؤلاء هم عناصر سوق العقار الذي ينعش القطاع ليكون منتجا مضيفا لاقتصاد أي بلد، حيث إن التفاعل التام والتمازج بين هذه العناصر ضمن تشريعات وأنظمة وقرارات متجددة تراعي ظروف السوق بدلا من أن تكون عائقا أمامه هو الضامن للإنتاج والتطوير العقاري، لذا فإن الأنظمة والتشريعات هي أساس بناء هذا المثلث وقاعدته التي ينطلق منها ويستمد ثقته بالسوق على أساسها، وفيما يلي لمحة عن دور كل عنصر ثم تحديد مكمن الخلل. المستثمر هو مَن يضخ رؤوس الأموال للسوق، وقد يمثل صفة شخصية كرجل أعمال أو عملا مؤسسيا كالمصارف الاستثمارية وصناديق الاستثمار العقاري التي تتم هيكلتها بأساليب مختلفة وفقا لأهدافها، وغالبا ما تتركز استراتيجية المستثمر في تملك العقارات التي تحقق العوائد من جهتين، الدخل السنوي ونمو قيمة العقار مستقبلا، وبهذا يمثل المستثمر المحفظة التي تؤول إليها العقارات بعد تطويرها من المطور وتأجيرها على المستخدم، ومن خلال خبرة واطلاع المستثمر على السوق قد يقوم بمشاركة بعض المطورين في قطاعات يرغب في الدخول فيها لمعرفته المسبقة بالحاجة إليها، ثم يستحوذ على التطوير بعد انتهائه، لإدارته والانتفاع بدخله وزيادة قيمته. المطور هو مهندس الفكرة ومبدعها، فيأتي دوره من خلال قراءته للسوق ومعرفته لتوجهاته ومحاولة معرفة حاجة المستخدم النهائي سواء كمشتر لوحدة سكنية أو مستأجر لوحدة تجارية، وبعد حصر المنتجات والمناطق الجغرافية المناسبة للتطوير، يعمل المطور على تحديد مسار رحلة التطوير واستراتيجيتها بدءا من اختيار الموقع المناسب للمشروع ثم دراسة جدوى التطوير، ورسم خريطة الطريق بدءا من الاستحواذ ومرورا بالتمويل سواء عن طريق المصارف أو المستثمرين المهتمين وانتهاء بتحديد استراتيجية التخارج إما بالبيع على المستخدم النهائي وإما على المستثمر في حال كان العقار مدرا للدخل، لذا فالمطور الحقيقي يشتري الأرض وهو عارف تمام المعرفة المدة الزمنية اللازمة لبقاء هذه الأرض تحت ملكيته لتنتهي بالتطوير الذي يتم بيعه أو تأجيره. المستخدم وهو العميل المستهدف من المنتجات العقارية، سواء كمشتر للوحدات السكنية أو كمستأجر لمبنى مكتبي مثلا، ولذلك فإن المستخدم هو مَن يحرص المطور والمستثمر على تلبية احتياجاته المختلفة ومحاولة معرفة توجهاته ورغباته وإمكاناته كي يتم إنتاج ما يناسبه ويحقق طموحاته. التشريعات والأنظمة هي الدائرة التي تحيط بهذه العلاقة الثلاثية، حيث تحفز المستثمر وتشجع المطوّر وتضمن حقوق المستخدم، وهذا الأساس المفترض وجوده في السوق الكفء هو ما نفتقده في سوقنا العقاري، فلا أنظمة محدثة ولا تشريعات محفزة، وبالتالي عانى السوق العقاري في عز ازدهاره خلال السنوات الخمس الماضية سوء التنظيم والبيروقراطية وتداخل المهام التي عطلت عمل المطور ليحتاج إلى سنوات لإصدار تراخيصه ثم سنوات أخرى لوصول الخدمات الأساسية من كهرباء وماء واتصالات إلى أرضه بسبب ضعف أداء بعض هذه الشركات التي من المفترض أن توصل هذه الخدمات وتنفذها بكفاءة القطاع الخاص المعهودة، كما أن حقوق المستخدم أهملت فلم يعد يستطيع شراء قطعة أرض مخدومة يبني عليها منزله أو وحدة سكنية تتناسب مع دخله ومتطلباته، ولم يعد المستأجر للسكن أو المحل يضمن استقراره في موقعه دون ارتفاعات في قيمة الإيجار بشكل غير مبرر من المالك أو حتى طرده دون سبب وجيه، لذلك لم توجد الحوافز الكافية للمستثمر لأن يضخ أمواله بطرق صحية تضمن صلابة السوق العقاري وتحد من تشوهه. السؤال المهم بعد استعراض الأدوار المختلفة هو أين الخلل في سوقنا العقاري؟ تفاصيل الخلل لا يمكن حصرها في هذا المقام ولكن مكمن الخلل هو ضعف التنظيم والتشريع الذي قتل تحفيز السوق وبناءه على أسس متينة نحو الإنتاجية، فاختار المستثمر احتكار الأرض والمضاربة بها وجعلها سلعة للتداول بدلا من أن تكون وسيلة للإنتاج، وحققت له عوائد ضخمة خلال الفترة البسيطة الماضية تغنيه عن البناء والتطوير والمساهمة في اقتصاد البلد، وما يدل على ذلك أن صفقات الأراضي استحوذت على 86 في المائة تقريبا من قيمة الصفقات العقارية خلال السنوات الخمس الماضية، وبذلك تعطل عنصران مهمان من عناصر السوق الكفء وهما المطور والمستخدم، فلم يعد المستثمر بحاجة إليهما كي يعزز عوائده، لأن الأرض صارت هي الاستثمار الأمثل له. الخلاصة، ما يتم الآن من حراك على مستوى التشريعات والأنظمة للسوق العقاري بدءا من نظام رسوم الأراضي البيضاء إلى إنشاء هيئة عليا للعقار، مرورا بمركز المطورين وانتهاء بتنظيم المهن العقارية، التي كان أولها الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين في مجال التقييم العقاري، يوضح أن هناك توجها جديدا لسوق العقار بشكل عام، خاصة العقار السكني، ومن المتوقع أن نشاهد تغيرا جذريا في مفاهيم التطوير والاستثمار لتلبية حاجات المستخدمين بشرائحهم كافة، كما أتمنى أن يصدر قريبا نظام صناديق الاستثمار العقاري المعروفة بـ REITs بصيغة قابلة للتداول في سوق الأسهم، حيث توفر مجالا لشرائح أكبر من الراغبين في الاستثمار في السوق العقاري بشتى قطاعاته والاستفادة من عوائد الدخل وارتفاع القيمة.
إنشرها