Author

نصف الحقيقة

|
تذكر بعض المصادر الأدبية والتاريخية أن الشاعر الفرزدق هجا خالد بن عبد الله القسري، أمير العراق في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك، وقال فيه: ألا قبح الرحمن ظهر مطية أتتنا تهادى من دمشق بخالد وكيف يؤم الناس من كانت أمه تدين بأن الله ليس بواحد بنى بيعة فيها الصليب لأمه ويهدم من بغض منار المساجد وفي الأبيات اتهام واضح لخالد القسري بأنه يهدم منارات المساجد، وأنه بنى كنيسة لأمه، كما غمزه قبل ذلك بأمه المسيحية. ومن ينظر للأبيات عند الوهلة الأولى يتحامل على القسري، ويبغضه، ولكن عند البحث والتمحيص نجد أن ديننا الحنيف أباح الزواج من الكتابيات، وكانت أم خالد مسيحية من أهل الكتاب، وكان بارا بها، فطلبت منه أن يبني لها كنيسة خاصة في فناء بيته تتعبد فيها على دينها، ففعل ذلك برا بأمه. ونجد عند البحث أيضا أنه قد انتشر في العراق إبان ولاية القسري "موضة" غزل المؤذنين، وهي قصائد نسبت لعدد من المؤذنين يتغزلون ببنات الحي، ذلك أن منارات المساجد كانت مرتفعة فيبصر المؤذن البنات في فناء البيت وسطحه. ويبين المبرد في "الكامل" سبب هدم القسري لمنارات المساجد فيقول: "وكان سببه هدم خالد منار المساجد حتى حطها عن دور الناس أنه بلغه شعر لرجل من الموالي، موالي الأنصار، وهو: ليتني في المؤذنين حياتي إنهم يبصرون من في السطوح فيشيرون أو تشير إليهم بالهوى كل ذات دل مليح فحطها عن دور الناس". تذكرت هذه القصة وأنا أتابع بعض الإعلام المعادي للعرب الأصلاء، وللدول التي تحرص على قوة وكرامة العرب، خاصة بلادي الحبيبة المملكة العربية السعودية، فهذا الإعلام الموجه المزور الذي يتبع أو يخدم دولة تكره العرب خاصة والمسلمين عامة، لا يقول الحقيقة، والغالب عليه الكذب والتزوير، وفي أحسن أحواله يقول نصف الحقيقة، وهي كما في المقولة الشهيرة: "نصف الحقيقة كذبة كاملة". كل العقلاء يعرفون كذب تلك الدولة الحاقدة على العرب، وكذب إعلامها وإعلام ذيولها. وكتب التاريخ وسيكتب أن أكبر توسعة للحرمين الشريفين، وأفضل خدمة قدمت للحجاج والمعتمرين كانت في عهد المملكة العربية السعودية، وكتب التاريخ وسيكتب أن أفضل وأصح وأدق طبعة للقرآن الكريم وأكثرها انتشارا، بل وتوزع مجانا، كانت في عهد السعودية، وكتب التاريخ وسيكتب أن السعودية منذ نشأت وحتى اليوم كانت حريصة كل الحرص على مناصرة ودعم قضايا العرب والمسلمين والقضايا الإنسانية العادلة، والدفاع عنها في كل محفل ومكان. وكتب وسيكتب كثيرا. كما سيكتب التاريخ وكتب أن نظام تلك الدولة الباحث عن أمجاد كسرى والصفويين منذ قامت ثورتهم المزعومة، وهو ينشر الحرب والدمار والطائفية البغيضة، وأن دماء الملايين سالت بسببهم، وأن هذا النظام الطائفي الحاقد منع بناء المساجد، وقتل علماء الدين والمفكرين وكل من يعارضه أو كبلهم بالأغلال وزجهم في السجون، كتب التاريخ وسيكتب. ولا غرو فيما بيننا من تفاوت فكل إناء بالذي فيه ينضح
إنشرها