ترسخ ذكرياتي في سنوات الشباب مجموعة من القناعات التي لم أتمكن مع مرور الزمن من التخلص من تعميمها على سلوكيات أو أشخاص أو مواقع معينة. يستمر بعضها في المحافظة على مقامها الذي كونته في قناعات أخيكم، وتأتي أحوال وأيام لتؤكد تغييرا لا بد من تبنيه عندما أنظر إلى أمور أخرى.
لعل أهم ما يميز السلوك البشري أنه يمر بفترة طويلة ليحقق التغيير الذي يمكن أن نعتبره مهما أو مؤثرا في القناعات المكونة عن مجموعة معينة من الناس أو التصرفات. أعتقد أن الصدمات الحضارية والفكرية والثقافية هي التي تسبب التغيير السريع لما يتبناه المجتمع من قناعات.
يمكن أن نعتبر بعث الرسل أكبر الصدمات ذات الأثر المباشر في السلوك الناتج عن قناعات الناس في بيئة معينة، وهو ما نشاهده في حال مؤثرات كبرى أخرى مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية، لكن الفرق أن التغيير الناتج عن المؤثرات الكونية يكون ناتجا عن المعاناة التي يعيشها الناس فيضطرون لتغيير كثير من السلوكيات وأساليب الحياة التي يعيشونها.
أما التغيير الإيجابي الذي نراه من تأثير قادة التغيير الكبير مثل الأنبياء والرسل فهو تغيير فكري يؤثر في الطريقة التي يرى بها الناس الأشياء وطرق تعاملهم معها، هنا يكون التغيير نتيجة القناعات وهو أصعب تغيير ولذلك لم يتمكن بعض الرسل من تغيير قناعات وسلوك "كل" من بعثوا إليهم.
أما التغيير التدريجي فهو من الأمور التي تأتي ضمن سياق التواصل الإنساني والتعامل مع مختلف الثقافات والمؤثرات الفكرية والاجتماعية، وأهمها انتشار التعليم الذي يسهم في التغيير المقنن لعادات وقناعات الناس باتجاه مختلف.
تغيير السلوك بهذه الوسائل، يأخذ في الغالب وقتا أطول لأن المؤثرات الاجتماعية قد تطغى على محاولات المؤسسات الفكرية في تغيير سلوك ومفاهيم المجتمع بشكل عام. هنا تظهر أهمية تطوير المناهج وتحسين تفاعلها مع الواقع لتتمكن من التغيير الإيجابي للسلوك البشري.
الاحتكاك المادي بالثقافات الأخرى يسهم في تغيير السلوك لكنه تأثير قد يكون محايدا، ويمكن أن يكون باتجاه السلب أو الإيجاب. يعتمد كل هذا على تجذر القناعات لدى المتلقي ومدى قدرته على التمسك بالقيم التي تربى عليها، والتي تروج لها الحضارة التي ينتمي إليها.
