المجابهة واللاجئون والتعليم من أجل إحداث التغيير
نظرا لأن العالم يكافح من أجل مواجهة أزمة اللاجئين من سورية، بالتالي هناك حاجة ماسة إلى النهوض بفرص التعليم. والهدف من وراء ذلك ليس مجرد مكافحة التطرف فحسب، كما أشار جوردون براون مبعوث الأمم المتحدة الخاص لشؤون التعليم العالمي، لكن أيضا لضمان أننا نستثمر في بناء رأس المال البشري لأطفال اللاجئين.
تأتي الدروس المستفادة بشأن كيفية توفير خدمات تعليم تعمل على بناء رأس المال البشري في واقع الحال من المنطقة، خاصة من سورية. ويحقق اللاجئون الفلسطينيون نواتج تعلم أعلى من المتوسط على الرغم من الظروف المعاكسة التي يعشيون فيها. وتقوم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بإدارة وتشغيل واحد من أكبر نظم التعليم غير الحكومي في الشرق الأوسط. كما تقوم "الأونروا" بإدارة نحو 700 مدرسة، و17 ألف موظف، ويتم تعليم أكثر من 500 ألف طالب لاجئ في السنة. والأنروا هي وكالة الأمم المتحدة الإقليمية التي تتمتع بمكانة شبه رسمية لتقديم خدمات التعليم الأساسي والخدمات الأخرى لنحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مسجل في الضفة الغربية وغزة، والأردن، ولبنان وسورية. وقد بدأت الأونروا عملها في 1950 كتدبير بديل للوفاء باحتياجات اللاجئين، وما زالت تعمل حتى يومنا هذا. ويفوق أداء طلاب مدارس الأونروا أداء طلاب المدارس العامة في الأردن والضفة الغربية وغزة بما يعادل عاما من التحصيل الدراسي. وهذا على عكس ما هو متوقع من إدارة محدودة الموارد تخدم طلابا لاجئين يواجهون عديدا من الظروف السلبية والمعاكسة والصعوبات بصورة مستمرة. وهذا ما يستحق الإشادة والإشارة، علما بوجود مساوئ يتعين على مدارس الأونروا التصدي لها. ونتوقع أن يرتبط الوضع الاقتصادي والاجتماعي أو تعليم الأبوين بصورة كبيرة بالأداء، كما ورد في صورة موثقة في الأدبيات والدراسات المعنية بالتربية والتعليم. لكن أيا ما كان الأمر، فمن الملاحظ تفوق أداء طلاب الأونروا على أقرانهم في المدارس العامة، وذلك على الرغم من المثالب الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهونها. ويأتي الطلاب اللاجئون، على سبيل المثال، من أسر معيشية أقل تعليما بكثير. وقد نتوقع أن المؤهلات العلمية للمعلمين ترتبط بأداء الطلاب، لكن الحال ليس على هذا الوضع. بل إننا نجد أن أداء طلاب مدارس الأونروا يفوق أداء طلاب المدارس العامة، على الرغم من وجود معلمين لديهم نفس سنوات الخدمة والخبرة والشهادات مثل أقرانهم في المدارس العامة. وفي تقرير لنا بعنوان، التعلم في مواجهة الصعوبات: برنامج الأونروا لتعليم اللاجئين الفلسطينيين، قمنا بتسليط الضوء على عناصر نجاح هذا النظام. فهذا البرنامج يقدم دروسا لتحقيق الطموحات التعليمية لأطفال اللاجئين في العالم بأسره. كيف تتفوق مدارس الأونروا على المدارس العامة بصورة مستمرة ومطردة؟
يتحقق ذلك نتيجة الطريقة التي تقوم بها هذه المدارس بانتقاء وتعيين وإعداد ودعم المعلمين؛ والممارسات والمناهج التربوية في الصف الدراسي؛ وبسبب القيادة في المدارس والمساءلة والمساندة المتبادلة.
وأدى هذا إلى إيجاد مجتمع تعلم متميز يدور محور تركيزه حول الطالب، على سبيل المثال:
- تقوم الأونروا باختيار وإعداد ومساندة القائمين على العملية التعليمية، بغية تحقيق نواتج تعلم مرتفعة.
- ارتفاع مقدار ما يُقضى من وقت في العمل في مدارس الأونروا، والاستفادة من هذا الوقت بشكل أكثر كفاءة مما في المدارس العامة.
- وجود نظام عالمي للتقييم والمساءلة في مدارس الأونروا.
- مدارس الأونروا جزء من مجتمع وثقافة تعلم أوسع نطاقا، تساند الطفل وتضمن نفع ما يتلقاه من علوم وارتباطه بأرض الواقع وسوق العمل.
نجاح الأونروا في جذب وتعيين المعلمين ذوي الكفاءة العالية.. تجتذب كليات معلمي الأونروا أفضل خريجي المدارس الثانوية كي يلتحقوا مجانا مع ضمان التوظيف عند الانتهاء من الدراسة واستيفاء المعايير والشروط المطلوبة. وبمجرد أن يتم التعيين، تحدد لمدرسي الأونروا معايير واضحة فيما يتعلق بما ينبغي للتلاميذ أن يعرفوه، ويستطيعوا القيام به، كما أنهم يتلقون إرشادات بشأن كيفية تحقيق هذه المعايير من خلال مساندة من نظار ومديري المدارس ذوي المؤهلات والخبرات الجيدة، الذين يتم إعدادهم على نحو جيد. نظام الأونروا يحقق نتائج أرقى مع وجود عدد أقل من الطبقات الإدارية. من الملاحظ أن مدارس الأونروا أكثر خضوعا للمساءلة فيما يتعلق بالتحصيل العلمي للطلاب مقارنة بالمدارس العامة. ولدى مدارس الأونروا نظام عالمي للتقييم، كما أن التقييم أولوية في هذه المدارس ويتم تعميمه على المعلمين "لإثراء خطط تحضير الدروس والممارسات التربوية"، كما يتم تعميمه أيضا على واضعي السياسات. وتجدر الإشارة إلى أنه يُطلب من المعلمين المشاركة في أعمال رصد وتقييم خارجية.
ونتيجة لذلك، لا يضيع كثير من الوقت في مدارس الأونروا. وواقع الحال، يُكرّس 90 في المائة من وقت عمل المعلمين للتدريس، في مقابل أقل من 60 في المائة في المدارس العامة. ويحظى المعلمون في مدارس الأونروا بدعم ومساندة من موجهين مختصين لتحسين الممارسات التربوية. وفي الصفوف الدراسية في مدارس الأونروا، تتدنى معدلات السلوكيات المنحرفة عن المسار الدراسي.
ويتمثل نجاح الأونروا وما يمكن أن نتعلمه لتعليم وتثقيف مجموعات أخرى من الأطفال اللاجئين في الشعور المشترك بالمجتمع وثقافة التعلم. وعلى ما يبدو، فإن نواتج التعلم الإيجابية التي تحققها الأونروا تلقى مساندة وتدعيما من خلال التفاعل الوثيق بين المدارس والأطراف الفاعلة في المجتمع. وقد أصبحت مدارس الأونروا كيانات أساسية تمثل جزءا من ثقافة أوسع نطاقا لتعليم اللاجئين الفلسطينيين. وبالنسبة إلى الأطفال والشباب الذين يواجهون صعوبات، فإن التعليم له معنى وصلة بأرض الواقع. وأساس ذلك هو التفاعل الوثيق بين الآباء وأولياء الأمور، وأفراد الأسرة، والمعلمين، ونظار ومديري المدارس. وعلى ما يبدو، فإن هذه البنية التي تقوم عليها العلاقة بين المدرسة والمجتمع تتطور بصورة عضوية وتدعمها الممارسات في الصف الدراسي، وإدارة المدرسة، وأولويات نظام التعليم.
وثمة درس آخر مستفاد يتمثل في التركيز على تزويد الأطفال اللاجئين بأدوات النجاح، أو بمعنى آخر القدرة على مجابهة الأزمات والمصاعب. والقول الفصل هو ضرورة حصول الأطفال اللاجئين على تعليم ذي جودة مهما كانت الصعوبات التي يواجهونها. ومن الدروس المستفادة مشاركة الآباء وأولياء الأمور والمجتمع في المدارس. وهذه المشاركة الجمعية في عملية تعليمية تتسم بالجودة تبدو كأنها تتطور في مواجهة الصعوبات التي تحيط بالمجتمع. وكثيرا ما يشير الطلاب إلى الأهمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للتعليم الجيد. وهذا ما يمكن أن نقدمه إلى اللاجئين في حالات ومواقف أخرى.
نظام التعليم يقدم إرشادات أكاديمية ومساندة اجتماعية ووجدانية. نظرا لأن "الأونروا" تخدم مجتمع لاجئين، فإن العلاقة بين موظفي المدرسة ومعلميها والأسر تتجاوز حدود أسوار المدرسة. وهذا درس يمكن الاستفادة منه في مواقف أخرى. وذلك لأننا نعلم مدى صعوبة تعليم طفل. وبالتالي، فإن تعليم طفل لاجئ في ظروف قاسية وصعبة يكون أكثر صعوبة، وهو أمر حافل بالتحديات. لكن، هناك بعض الدروس المستفادة من "الأونروا" التي يمكننا الاعتماد عليها.