مرة وليست حرمة
حين أقرأ في معاجم اللغة لا أجد أحدا يطلق على المرأة والنساء لفظة حرمة وحريم، ومثل ذلك ينطبق على مصادرنا التاريخية والأدبية المتقدمة. لكني رأيت في مصادر متأخرة، تعود إلى القرن الثامن الهجري فما بعد لفظة حريم بمعنى نساء تتكرر كثيرا، فقد ذكرها لسان الدين بن الخطيب (ت 776هـ) في "الإحاطة في أخبار غرناطة" فقال: "وحريمهم، حريم جميل، موصوف بالسحر، وتنعم الجسوم، واسترسال الشعور، ونقاء الثغور، وطيب النشر، وخفة الحركات، ونبل الكلام، وحسن المحاورة، إلا أن الطول يندر فيهن". كما ذكره القلقشندي (ت 821هـ)، والمقريزي (ت 845) مرارا في مؤلفاتهم.
يقول الرحالة محمد لبيب البتنوني (ت 1357هـ) في "الرحلة الحجازية": "ومن هذا توسع الناس في استعمال الحرم فأطلقوه على البيت الذي لا يتعدى حدوده أحد بغير إذن صاحبه احتراما له. ثم أطلقوه على امرأة الرجل نفسها لحرمتها على غيره. وأخذ الأتراك لفظ حرم فأضافوا عليه كلمة لك بمعنى مكان فقالوا حرملك يعني مكان الحرم وقصروه على مكان النساء من البيت حتى لا يكون لمن يخترق دائرته أي عذر في الدخول فيها وانتهاك حرمتها".
ورجعت إلى البحث في مصادرنا التاريخية والأدبية والثقافية المتأخرة، في القرون الثلاثة الأخيرة في منطقة الجزيرة العربية، خاصة منطقة نجد، فلم أجد أحدا يصف المرأة بالحرمة، قبل القرن الرابع عشر الهجري، وعلى سبيل المثال بحثت في تواريخ ابن غنام وابن بشر وابن عيسى. ثم بحثت في الشعر النبطي، فلم أجد شاعرا يصف المرأة بالحرمة، فهم يقولون مره أو نساء، من ذلك قول الشاعر المشهور حميدان الشويعر، وهو من أهل القرن الحادي عشر الهجري، وعاش تقريبا في الفترة من 1050- 1150هـ، يقول:
المره وأن عدا عمرها الأربعين
وراسها عن سواده بشيب انقلب
ومن ذلك أيضا قول الشاعر محمد بن لعبون (ت 1247هـ) مخاطبا معشوقته:
يا علي صحت بالصوت الرفيع
يا مره لا تذبين القناع
ومنه أيضا قول الشاعر زامل العبد الله السليم، أمير عنيزة (ت 1308هـ):
ذا لنا بعمان حولين والزايد شهر
والنسا من عقبنا يا عشيري حايله
والشواهد في هذا المجال من شعرنا النبطي في منطقة الجزيرة العربية لا تعد ولا تحصى، ولم يذكر أحد ممن عاش قبل قرن من الزمان لفظ حرمة بمعنى امرأة.
والذي يتضح لي أن منطقتنا لم تعرف لفظة حرمة وحريم بمعنى نساء إلا في عهد متأخر في منتصف القرن الرابع عشر الهجري. كما أن هذه التسمية لم تنتشر عند العرب إلا بعد القرون الأولى التي وضعت فيها معاجم اللغة العربية، وانتشرت اللفظة في القرن الثامن الهجري، ثم ازداد انتشارها مع تخصيص سلاطين الأتراك العثمانيين مكانا خاصا للنساء والجواري عرف باسم الحرملك.
وختاما فهو لفظ دخيل على ثقافتنا العربية، ويستحسن أن نعود إلى الألفاظ الأصلية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية وفي شعرنا العربي، فهي امرأة، وهن نساء.