قصر السقاف.. مقر الملك عبد العزيز للاحتفاء السنوي بالحجيج

تعتبر مكة المكرمة من أكثر المدن في العالم احتواء للآثار ففيها بنيت الكعبة المعظمة ثم تتابعت فيها الأحداث حتى بعث منها الله النبي محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فجعل منها في كل بقعة أثرا ما جعل الخلفاء والسلاطين والملوك يعتنون بها أشد العناية وبقيت مركزا مهما في تاريخ الدول المتعاقبة ولعبت دورا مهما في ترجيح كفة على كفة، إلا أنه من المعلوم أن مكة المكرمة في السابق ليست هي الآن فاتساع العمران وتطوره كفيل بتغيير الكثير من ملامحها السابقة، وهنا يسجل ما تقوم به حكومة السعودية من جهود لتوفير جميع مستلزماتها وتوفير سبل الراحة لقاصديها.
#2#
لم تكن مكة المكرمة في الماضي القريب تكاد تتجاوز مقبرة المعلى من الناحية الشمالية الشرقية للبيت الحرام إلا أنه بعد تجاوز المعلى بمسافة يسيرة تظهر بعض العشش والبيوت المتناثرة والتي يسكنها البدو في أغلبها في محلة يقال لها (المعابدة) إلا أن هذه المحلة لها ارتباط وثيق بالتاريخ فقد كان يمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى غار حراء قبل البعثة كما أنه ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ صلى فيها بعد رميه الجمرات في حجة الوداع في موضع مسجد الإجابة الذي ما زال موجودا إلى يومنا هذا. وقد بنيت في هذه المحلة في الماضي القريب القصور والقلاع لسكان مكة كما عين لها شيخ من أهلها.
ومسمى المعابدة على هذه المنطقة قديم فقد ذكره ابن حجر والفاسي في القرن الثامن الهجري، واختلف في سبب تسميتها إلا أن المشهور والرائج أنها منسوبة لامرأة تدعى أم عابدة، وهي تعد اليوم من أكبر أحياء مكة المكرمة مساحة ومن أكثرها سكانا.
#3#
ومن أبرز الآثار الموجودة الآن في المعابدة ما يعرف بـ قصر السقاف وهو الواقع في يمين الصاعد إلى منى وقد بني سنة 1224هـ وهناك من يقول إنه بني سنة 1314هـ ومما لا شك فيه أن الاختلاف في تاريخ البناء سيولد عنه اختلاف في سبب تسميته فهناك من يذكر أن السقاف هو المقاول المسؤول عن تعمير القصر، وهناك من يقول إن صاحبه ومالكه من عائلة السقاف في مكة المكرمة علما أن هذا القصر كما نراه الآن قد بني على مراحل متعددة ومتباعدة أيضا. ويرجح أحد الباحثين المعمارين أنه بني على فترات متعددة فيذكر أن القسم الشرقي موجود قبل دخول الملك عبد العزيز مكة المكرمة، أما ما هو وسطه فيحدد بناءه سنة 1346هـ، ويشير إلى أن مقدمة القصر بنيت في أواخر عهد الملك عبد العزيز، وما يؤيد ذلك ما ذكره الرحالة الهندي غلام مهر (قصر المعابدة نصفه بني ونصفه لم يكتمل) كما أن في الجهة المقابلة للقصر بنيت على أحد الجبال المطلة قلعة تعرف باسم قلعة المعابدة. وبجوار قصر السقاف عدد من القصور وهي موجودة إلى الآن وتشغلها بعض الدوائر الحكومية.

ولقصر السقاف عدة مسميات عرف بها كقصر الملك عبد العزيز، وقصر الحكم، وقصر المعابدة، والقصر الملكي، إلا أن أشهرها قصر السقاف وقد سمي الشارع الذي يقع فيه باسم شارع السقاف.
#4#
وقد بني القصر على الطراز الإسلامي فهو مبني بالحجر، وجدرانه مجصصة بالنورة البلدية، ويتخلل أسقفه الحديد، وتتميز أسقفه بالعلو لغرض التهوية وتوزيع الحرارة، وله ساحات داخلية واسعة تحيط بها الجدران، وله غرف متسعة جدا وكثيرة النوافذ ففي القصر أكثر من 100 غرفة، حيث يأخذ القصر الشكل المستقيم في واجهته الرئيسة ويقع المدخل الرئيس في منتصف الواجهة وعن يمينه وشماله يتكون من عقود نصف دائرية متساوية في الأبعاد وهو مكرر في الدور الأول وعلى شكل بلكونة ممتدة على طوال الواجهة عدا الجزء الذي يعلو المدخل الرئيس والذي يمتاز بالفخامة والارتفاع وله بوابتان كبيرتان في مدخله ومخرجه، وبجانب المخرج حصن له فتحات تمثل فوهات لبنادق الحراسة. ويتكون القصر من طابقين إلى ثلاثة طوابق، كما يوجد في القصر صالات كبيرة المساحة استخدمت في بنائها الأعمدة الضخمة ذات التيجان. وروعي في تصميم القصر المناخ فمن المعروف أن مناخ مكة المكرمة حار فبنيت الحوائط ذات السماكة الكبيرة التي تبلغ في عرضها 50 سنتمترا والتي تقوم بعمل وظيفتين في آن واحد، حيث تقوم بعمل الحوائط الحاملة من الناحية الإنشائية كما تعمل على تقليل الحرارة الداخلة للمبنى عبر الحوائط المعرضة لأشعة الشمس، ويقوم الرواق الموجود في الواجهة الرئيسة بدور حماية الحوائط الخارجية المعرضة لأشعة الشمس مباشرة، كما نجد النوافذ الخشبية التي استخدمت في القصر لتساعد على مرور الهواء اللطيف إلى الفراغ الداخلي ما يساعد في تلطيف الجو الداخلي، كما ركز المصممون للقصر على إعطاء مساحات واسعة داخل القصر وعمل عدة أفنية داخلية وهي بمثابة حل تقليدي في المناطق الحارة، وتقوم هذه الأفنية بدور فعال في حركة الهواء اللطيف داخل الفراغات الداخلية للقصر وتعمل كمتنفس لساكني الحي لكونه حديقة داخلية تشتمل على عديد من النباتات والمساحات الخضراء.

وقد كان للملك عبد العزيز مجلس مفتوح في هذا القصر يستقبل فيه الأمراء والمسؤولين ومعاونيه ووجهاء وأعيان مكة المكرمة وعامة المواطنين من أصحاب الحاجات. كما كان ـــ رحمه الله ـــ يقيم في موسم الحج من كل عام احتفالا كبيرا بالقصر تكريما لرؤساء الدول الذين يؤدون مناسك الحج ولرؤساء بعثات الحج، ويستقبل كذلك في الأعياد وشهر رمضان كبار الشخصيات والوجهاء والأعيان وعمد الحارات. وقد استخدم القصر لاحقا مقرا للأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي ثم مكتبا لإمارة مكة المكرمة وكذلك مبنى لإمارة منطقة مكة المكرمة ثم مقرا لأمانة العاصمة المقدسة وكذلك مقرا لشرطة العاصمة المقدسة.