Author

تركيز «تلقائي» .. على الإنتاجية

|
عنونت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرها المنشور يوم الأربعاء الماضي الموافق 17 شباط (فبراير) 2016 بالتالي: الشباب السعوديون يشاهدون فَناء الوظائف السهلة! تحدثت الصحيفة في هذا التقرير عن واقع المتغيرات الاقتصادية الأخيرة والمؤثرات السياسية المحلية راصدة ملامح التغيير التي ربما لم يشعر بها بعد أحدث الأجيال الباحثة عن عمل. إذ ذكرت كيف أن سابقينا حظوا بالسهل الذي لن يتكرر سواء كانت وظائف حكومية أو فرصا متنوعة متاحة للاختيار بلا شروط ولا قوائم انتظار. وعلى الرغم من اللا موضوعية في بعض جوانب التقرير، إلا أن الواقع فعلا يتغير وما يحصل اليوم ليس إلا مرحلة انتقالية لتحديات أكبر لم نرها بعد. من جانب آخر، أثارت توصية أحد المغردين لآخر بترك الدارسة الجامعية سخط البعض وفتحت جدلا حول المبالغة في التحفيز على الإبداع والتطوير الشخصي على حساب الدراسة النظامية. هذا الموضوع تحديدا يمثل أحد أهم المتغيرات الراهنة التي تسهم في إعادة تشكيل واقع سوق العمل والإنتاجية. لن نقول إن الشهادات بدأت تفقد قيمتها، ولكنها باتت مجرد جزء من باقة متسعة من شواهد إثبات المعرفة والمهارات. باختصار، إذا لم تعمل الشهادة بجانب المهارة والحضور الشخصي والأداء المتميز ستبدأ في فقدان قيمتها وقيمة من يحملها. لا تنحصر المسألة ـــ والمؤثرات ــــ في توجسات نضوب النفط أو انخفاض أسعاره، وإنما تشير كل العوامل إلى أن الوضع التاريخي السابق لم يعد ينطبق على واقعنا اليوم. ستظل تحديات تنويع مصادر الدخل أكثر إلحاحا حتى لو لم تنخفض أسعار النفط، وستزيد الأحداث السياسية من الضغوط حتى لو لم نكن على علاقة مباشرة بها، وفي كل لحظة يسهم التغيير الديموغرافي في توليد تحديات جديدة لم نرها في السابق. تبرر هذه التفاصيل البحث عن العناصر البشرية التي تملك القدرة على صنع مزيد من القيمة، عن الذين ينجزون العمل نفسه في وقت أقل، عن الذين يفكرون ويتطورون، وعن كل مستعد لتحمل المسؤولية وتقليل التكلفة والانتقال بمن يولونه الثقة إلى بر الأمان. مع خطط التحول الطموحة والملحة، تتسع دائرة المؤثرات التي تشمل كل ما سبق لتجعل النظر يعود بنا دائما إلى الإنتاجية. كل العوامل تحاصر تفكيرنا وممارساتنا نحو التركيز "التلقائي" Auto Focus على الإنتاجية، وهي بلا شك، أحد أهم مدخلات ـــ ومخرجات ــــ التعامل مع هذه التحديات. ستصبح قدرة الفرد على الإنتاجية العالية محدد توظيفه وسبب تميزه ومبدأ مقارنته بمنافسيه. في نقاش مع أحد الأصدقاء القياديين في شركة محلية حول توقعات البطالة السلبية، يقول: "سيظل البحث مستمرا عن الكفاءات المميزة، ما زالت معظم مشاريعنا بحاجة إلى الأكفاء المنتجين المتعلمين المهرة!". ثم يذكرني بأن الضغوط فعلا موجودة خصوصا فيما يخص تخفيض التكاليف وترقب إرهاصات ما يأتي من الأيام، إلا أن أول المتأثرين هم غير المنتجين، من لا يملك المهارة ولا الشهادة ولا الممارسة. يتصدر غير المنتجين من يبحث عن راتب متواضع بلا عمل، ويتبعه المحبط الذي يرضى بإنتاج القليل وحصد القليل. عودة المبتعثين وتعدد خيارات الدراسة المحلية وانفتاح الشباب على التدرب في القطاع الخاص والعمل الاجتماعي المعزز للمهارات، إضافة إلى استفتاح الكثير من الجهات الحكومية لأدوات الإدارة الحديثة وضوابط الأداء ومؤشراته ـــ على الرغم من تشكيك البعض ـــ تحرك التنافس الوظيفي، وهو اليوم تنافس شديد ينشط بين الباحثين عن عمل على الوظائف المميزة، وينشط كذلك لدى أصحاب الأعمال لاستقطاب المميزين. غدا، سيتطور التركيز على الإنتاجية بطريقة تلقائية إذ يشتد التنافس الوظيفي سعيا خلفها وخلف من يتصف بها. أتوقع ـــ وكما يحصل فعليا من وقت إلى آخر ــــ أن يشتد التنافس خلف أدوات التطوير المهني المختلفة. ستصبح فرص التدرب في الأماكن المميزة أكثر تنافسية، وسيعتاد الكثير من الشباب على الجلوس لاختبارات الزمالات في مختلف التخصصات وسيتحدث معظمهم اللغة الإنجليزية المهنية بطلاقة. الخلاصة، يمضي الوقت ويتغير الواقع المهني وتتزايد تحدياته. تبعا لذلك ستتحول بؤرة التركيز تلقائيا نحو الجودة والإنتاجية وأصحاب المهارات النوعية. للشباب حرية اختيار مستقبلهم من اللحظة، مكوثا في دائرة السخط واليأس أو تركيز جهودهم ـــ ولاحقا خياراتهم ــــ نحو ما يستحق التركيز.
إنشرها