الجميع متضرر من انخفاض أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية. لكن الجميع أيضا متضرر من عدم استقرار السوق النفطية مهما بلغ ارتفاع الأسعار. فالمسألة مع هذه السلعة الحيوية المحورية، لا تنطبق عليها معايير السلع الاستهلاكية الأخرى، التي يمكن أن تكون لها مئات البدائل. ورغم أن للنفط بدائل من حيث المصادر، إلا أنها تبقى دون المأمول منها، لأسباب عديدة، في مقدمتها ارتفاع تكاليف الإنتاج، والمخاطر البيئية الناجمة عنها. بعض هذه المصادر أثبت أنه يسبب مخاطر بيئية أكثر من النفط الأحفوري على سبيل المثال. والفحم الذي يعتبر من المصادر التقليدية، يبقى أكثر تلويثا للبيئة وإحداث أضرار هائلة فيها، أكثر من الأحفوري. وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن النفط وتحديدا الأحفوري، يبقى سلعة مختلفة عن كل السلع.
المصيبة التي تحوم حول السوق النفطية، ليست المصادر البديلة (بما في ذلك النفط الصخري)، بل تبقى تلك المرتبطة بعدم تعاون البلدان المنتجة للنفط خارج منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) مع المنظمة. بل إن بعض هذه البلدان اتبع سلوكيات مشينة في تسويق نفطها بعيدا عن التعاون الغائب أصلا. كما أنها لم تأبه بالملاحظات والتحذيرات على مدى سنوات. لقد ظلت تنتج وتغرق السوق، معتبرة أن الأسعار المرتفعة التي سادت هذه السوق ستبقى هكذا إلى الأبد. ولذلك لم يكن أمام الكبار (وتحديدا المملكة) إلا التدخل أخيرا ليس من أجل الإضرار بالبلدان النفطية المتسيبة وغير المتعاونة بل لضبط السوق، وبمعنى أوضح لنشر الاستقرار فيها على المدى البعيد.
هل تتضرر السعودية من الحالة الراهنة للنفط؟ نعم ويؤكد المسؤولون السعوديون هذا الأمر علانية، واضطرت (كغيرها) إلى استثمار أكبر للفوائض المالية المتراكمة على مدى السنوات الماضية. ولأن قرار التصحيح بات سعوديا صرفا، فإن المملكة تمضي قدما في هذا الاتجاه، رغم أنها تستمع باهتمام حتى لآراء البلدان المتسيبة التي وجدت بعد أكثر من عام ونصف العام على انهيار الأسعار، إنه لا بد من التفاهم، والأهم لا بد من النظر لمستقبل النفط على المدى البعيد، وليس القصير الذي ينحصر فقط في أسعار مرتفعة له، ولكن ليست مستقرة. هذه البلدان باتت تريد التفاهم بكل الوسائل، وإن اتبعت في بعض الأحيان أساليب لا تكرس نياتها للتفاهم. غير أن هذه الأساليب تبقى للاستهلاك الإعلامي والمحلي فقط. أي أنها بلا معنى.
والسعودية لا تريد قطع الطرق على أحد. إنها ترغب في سوق نفطية مستقرة ومزدهرة وعادلة. وليس أمام من يرغب بالفعل في التفاهم إلا قبول رؤية المملكة هذه، التي لا تبدو منطقية فحسب، بل أكثر حرصا على النفط استراتيجيا. غير أن التفاهم لا يعني العودة إلى السلوكيات السابقة، وإلا لتواصل البلدان المتسيبة تحمل انهيار الأسعار، التي بلغت حدا بات اقتصاد دول كبيرة كروسيا مهددا بالانهيار لا بالانكماش فقط. المسألة واضحة، تعاون حتمي بين البلدان المنتجة داخل "أوبك" وتلك التي خارجها، والحفاظ على النفط كمصدر استراتيجي باق رغم كل البدائل التي ظهرت، وكل المحاولات التي تبذل لتقليل الاعتماد عليه. ولا بد من التأكيد هنا، على أن السعودية المتضررة من هبوط أسعار النفط، هي الأكثر قدرة (مقارنة بغيرها من الدول النفطية الأخرى في "أوبك" وخارجها)، على تحمل هذا الهبوط لفترة طويلة.
لقد أكدت المؤسسات الاقتصادية الدولية الكبرى بما فيها المستقلة، أن اقتصاد المملكة قادر على مواجهة التداعيات الراهنة، عن طريق سلسلة من السياسات بدأت بالفعل في السعودية حتى قبل بدء انهيار الأسعار. لكن المسألة عند "الرياض" ليست من يتحمل أكثر، بل من يتعاون أكثر من أجل مصلحة الجميع.
