سوق الأسهم أو لنقل سوق الأوراق المالية اليوم، "حيث ضمت السندات مع الأسهم" تعتبر سوقا استثمارية أساسية، ومن الصعب الحديث عن الاستثمار في أي اقتصاد إذا لم تتوافر فيه سوق للأوراق المالية. ذلك أن سوق الأوراق المالية تعد المصدر الأساس للحصول على التمويل لإقامة المشاريع، والقيام بالتوسعات لمشاريع قائمة، فالصورة البنورامية لسوق الأوراق المالية تتمثل في صناعة التمويل، وعلى أولئك الراغبين في خوض غمار هذه الصناعة أن يدركوا أنهم يمارسون هذه المهنة، مهنة التمويل. فشركات الاكتتاب العام وشركات الطرح الأولية تمثل مجموعة من التنفيذيين ورجال الأعمال الراغبين في الحصول على التمويل الرخيص، على أن يقدموا ضمانات أصول الشركة والمشاركة في عوائدها المستقبلية، كذلك الشركات التي ترغب في التمويل عن طريق طرح السندات، ستحصل على التمويل بضمان الشركة، وعلى أساس فوز الممولين باسترداد سريع للقرض مع عوائد مجزية. وحتى الشركات التي تقرر أن تمنح أسهما لمالكيها، فهي تسعى إلى الحصول على التمويل الرخيص، من خلال تنازل المساهمين عن أرباحهم النقدية لمصلحة الشركة، على أن تزيد الشركة من حصصهم، وبالتالي عوائدهم المستقبلية. حتى في مجال المضاربة في السوق فهي قضية تمويل في جوهرها، فحملة الأسهم الحاليون يرغبون في البيع للحصول على تمويل جديد لمضاربة أخرى. وما يصح قوله هنا في سوق الأسهم يصح أيضا في سوق العقار. وفي خضم كل هذا يبقى السؤال الجوهري الذي نحتاج إلى الإجابة عنه: ما الذي سيحدث إذا لم يجد كل هؤلاء الممولين شركات ومنافذ جديدة لتمويلها؟ تجيبنا السوق المالية وسوق العقار اليوم بكل صراحة، فستظل الأسواق تجتر نفسها في المضاربات، ويعلق الاقتصاد في متاهة ارتفاع وانخفاض سوقي الأسهم والعقار. ذلك أن بقاء الزخم الاقتصادي ليس مرهونا بعدد الممولين في هذه الأسواق "سواء كانوا مستثمرين طويلي الأجل أو مضاربين"، بل مرهون بعدد الشركات والتوسعات التي سيتم تمويلها. وعلى هذا فإننا يجب أن نضع تركيزنا في المرحلة المقبلة على الاستمرار في طرح نماذج جديدة من الأسواق ونماذج جديدة من الشركات. فالتعويل على المضاربة في الأسهم والعقار لبناء محافظ استثمارية سيكون معيقا للاقتصاد إذا لم يتم النظر في تنويع المحافظ نفسها من خلال تنويع منافذ الاستثمار، وعلى هذا فإن افتتاح سوق جديدة للشركات المتوسطة والناشئة سيحافظ على الزخم الاقتصادي ويعزز فرص النمو.
ومع خطة التحول الوطني والرغبة الصادقة لدى القيادة في تعزيز نمو القطاع الخاص، فإننا في حاجة ماسة إلى فتح منافذ استثمارية للشباب من خلال منحهم فرص طرح شركاتهم الصغيرة والمتوسطة في سوق للأوراق المالية بشقيها "الأسهم والسندات"، خاصة مع توجهات الحكومة الجادة إلى تخفيض رأس المال النظامي اللازم لإنشاء الشركات. إن مثل هذا التحول سيمكن الكثير من الاستفادة من سوق الأسهم، لكن ليس كمانحين للمال، بل كمستفيدين من هذه الأموال لإيجاد مؤسسات اقتصادية قادرة على النهوض بالقطاع الخاص، وقادرة على تعزيز النمو وفتح مجالات جديدة للتوظيف. فمنذ إنشاء هيئة السوق المالية ونظام السوق، نجحنا في بناء سوق جادة بأدوات تداول متميزة، لكننا حتى الآن لم نتمكن من استثمار هذه البنية الهائلة في دعم الاقتصاد بشكل يحقق التطلعات. سوق الأسهم مرآة الاقتصاد، ولهذا فإذا كنا سنتوجه إلى دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فيجب علينا، ومن خلال سوق الأسهم، قيادة طموح الشباب أصحاب هذه المؤسسات للتطلع إلى إدراج شركاتهم في سوق الأسهم للحصول على التمويل للتوسع والنضج، وكلما استطعنا أن نعزز التوجه للاستثمار في بناء الشركات وتأسيسها، نجحنا في جلب تمويل أكبر للسوق، وبالتالي ضمان بقاء الزخم الاقتصادي مع تنوع واسع ضروري.
