بدأت السعودية كدولة يعتمد اقتصادها على الزراعة ورعي الماشية، لم يكن هناك ما يمكن أن يقال عنه الصناعة، كانت هناك حرف لكن لم تكن بالحجم الذي يمكن اعتباره حتى نواة لاقتصاد صناعي. كان الطريق نحو بناء الاقتصاد عسيرا جدا، ولكن مع ظهور النفط بدأت الأمور سهلة، خاصة عندما تولت الحكومة بناء الاقتصاد بنفسها، وركزت في مشروعها على التنمية برمتها، بناء على مصدر وحيد وهو النفط، تنبهنا مع أولى صدمات النفط التي بدأت عام 73 من القرن الماضي وبدأت المملكة تعيد ترتيب أولويات الاقتصاد، فأنشأت كثيرا من المعاهد التدريبية الفنية وأنشأت بعد ذلك المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني. كان الأمل معقودا في أن يقوم خريجو هذه المؤسسة ببناء المصانع وتشغيلها، وأن يكونوا هم قادة المرحلة الصناعية في المملكة، لكن اليوم وبعد رحلة دامت قريبا من نصف قرن فإننا لم نحصل على أولئك الصناعيين الذين خططنا لهم لعقود، وأصبح حلم أي خريج من الكليات والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني هو الحصول على وظيفة إدارية في مكتب حكومي. لا يمكن القول إن اللوم يقع على مخرجات المؤسسة العامة ومناهجها، فلقد بذل القائمون على هذه المؤسسة جهودا جبارة، لكن هناك عامل لم يتم أخذه في الحسبان طوال هذه السنوات الطويلة من عمر حلمنا الصناعي. الطلب على التقنيين يأتي من مصانع قائمة وجاهزة فعلا، وليس الخريج هو من ينشئ المصنع ثم يعمل فيه. للحقيقة لقد كنا متحمسين لبناء جيل من الصناعيين قبل أن نبني قاعدة صناعية ضخمة قادرة على استيعابهم. وفي الوقت نفسه كنا نتوسع في بناء قاعدة واسعة من الطلب على الأعمال المكتبية ذات الصبغة الخدمية، سواء في الجهات الحكومية أو حتى الشركات، وهو الأمر الذي جعل المؤسسة العامة نفسها تضيف تخصصات ذات طبيعة مكتبية، وتخرج تماما عن هدفها الأساسي الذي سطر بوضوح في اسمها. نحن في حاجة اليوم إلى بناء المصانع أولا ثم تقوم المصانع بطلب الصناعيين للعمل فيها.
نعود اليوم لبناء قاعدة صلبة من البنية الصناعية تتمثل في إنشاء عديد من المدن الصناعية في المملكة، ونسعى جاهدين إلى بناء جيل من الصناعيين من خلال التمويل الواسع والتسهيلات الجبارة التي يقدمها عديد من البرامج التمويلية في مؤسسات عدة، نحتاج إلى أن تقوم المؤسسة العامة للتدريب التقني بإعادة صياغة لبرامجها، وأهدافها، حيث تهتم بصناعة جيل من الصناعيين الذي تنتهي دراستهم في الكلية بمشاريع صناعية ممولة ومستقرة في إحدى المدن الصناعية في المملكة، ولهذا أيضا فإن إنشاء مقررات الكليات ومعاهد المؤسسة يجب أن يكون قريبا إلى حد بعيد من المدن الصناعية أو إذا لزم الأمر أن يكون عديد من المحاضرات في ورش عمل يتم إنشاؤها في هذه المدن. كما يجب على المؤسسة العامة أن تبني علاقات واسعة مع المؤسسات التمويلية، حيث يتمكن الخريج من الحصول على المعرفة والتجربة والتدريب، وكذلك المشروع في أرض صناعية مع تمويل كاف. وهكذا لتصحيح المسار حتى لا نجد خريجي كليات التقنية في المكاتب، فنحن في حاجة إلى تحول استراتيجي في بنية التفكير الصناعي عند الأفراد في المملكة، وهذا هو ما نحتاج إليه من المؤسسة العامة للتدريب التقني في المرحلة المقبلة.
