المقالات

المسؤولية الاجتماعية كنموذج أعمال مبتكر

المسؤولية الاجتماعية كنموذج أعمال مبتكر

بإمكان الجهود المبذولة في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات أن تعود بالفائدة على المؤسسة، وذلك في حال اتباعها نهجا مبتكرا بالاعتماد على المنفعة المتبادلة. يواجه العاملون في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات، تحديات داخلية صعبة عندما يتعلق الأمر بالتمويل، وعلى الأخص عند العمل في أسواق جديدة. هناك رأي سائد يفيد بضرورة إعطاء الأولوية لتوزيع نسبة كبيرة من الأرباح المحققة في المدى القصير على المساهمين، بدلا من تخصيصها لتمويل مشاريع غير أساسية من شأنها أن تسهم في تحقيق متطلبات الاستدامة على المدى البعيد. فما الطريقة التي تساعد على إقناع مجلس إدارة شركة بجدوى مشروع وقابليته للتطبيق؟ إن إيجاد مشروع ذي صلة وثيقة بمجال عمل الشركة إضافة إلى خطة عمل قادرة على تحقيق أهداف الشركة والمساهمة في نموها، يعد إنجازا مهما. وتعتبر "إم بيسا" ـــ أول خدمة دفع بواسطة الهاتف الخلوي ـــ أكبر مثال على ذلك. هدف مشروع "إم بيسا" مشروع مشترك بين شركة فودافون وشركة سفاريكوم الكينية التابعة لها، في بداياته إلى مساعدة المواطنين الكينيين الذين ليس لديهم حسابات مصرفية على تسلم وتسديد القروض الصغيرة، وسرعان ما اعتمدت الخدمة كوسيلة لتحويل الأموال وتسديد فواتير الخدمات. حيث وصل عدد المستخدمين إلى 12.6 مليون في غضون ثلاث سنوات من إطلاق المشروع في 2007، وتم إجراء عشرات الملايين من المعاملات شهريا أي ما يعادل 30 مليار شلن كيني (375 مليون دولار أمريكي). كما توجد "إم بيسا" حاليا في أفغانستان، وجنوب إفريقيا والهند وشرق أوروبا. ظهر هذا المفهوم في 2004 بعد تأكيد دراسة قام بها فريق المسؤولية الاجتماعية لشركة فودافون على تقارير سابقة للأمم المتحدة، تفيد أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعد عاملا مهما في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في البلدان الفقيرة. وبحسب "نيك هيوز" بإمكاننا فعل المزيد وبمقدور الشركات تحويل مبادرات المسؤولية الاجتماعية إلى فرص تجارية حقيقية. قوبل اقتراح "هيوز" الأولي بالرفض من قبل مجلس إدارة فودافون الذي كان مشغولا في ذلك الوقت بالتركيز على إطلاق خدمة الجيل الثالث، لكن اثنين من كبار المسؤولين التنفيذيين وجداه قابلا للتنفيذ. لم يتخلَ "نيك" عن الفكرة وطلب دعما ماليا من صندوق مساعدة ابتكارات الاستدامة في المملكة المتحدة، وحصل على مبلغ 910 آلاف جنيه استرليني شرط أن تتكفل شركة فودافون بدفع 50 في المائة المتبقية من إجمالي تكلفة المشروع. اختلفت بعدها نظرة المدير المالي لشركة فودافون لمقترح "هيوز" عندما أعاد طرحها عليه، ووجد فيها فرصة جديدة قد تعود بالفائدة على الشركة فضلا عن كونها مبادرة في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث بإمكان "إم بيسا" أن تلعب دورا إيجابيا في تعزيز ارتباطها بعملائها ووكلائها الحاليين. وبعبارة أخرى كان قادرا على إظهار الجانب التجاري للاقتراح. انطلق البرنامج التجريبي في 2005 وضم 500 عميل "حصلوا على هواتف مجانية" وثمانية وكلاء مدربين. وسرعان ما أصبح جليا أن استخدامات "إم بيسا" لم تقتصر فقط على سداد القروض بل شملت أيضا تحويل الأموال إلى أقارب المستخدمين والدفع مقابل السلع والخدمات. وبعد انطلاق المشروع بشكل رسمي في 2007، تمت إزالة خدمة سداد القروض الصغيرة، حيث أصبح بمقدور العملاء سحب وإيداع المبالغ من خلال منافذ الشركة، وتحويل المال إضافة إلى خاصية تحويل رصيد. بجدارة استطاعت حملة "ارسل المال إلى الوطن" النجاح من دون الحاجة إلى وجود مرجعية مصرفية كقرض أو حساب. سرعان ما أصبحت "إم بيسا" مشروعا مربحا. وأهم من ذلك، أنها أسهمت في الحد من خسارة "سفاريكوم" عملاءها. وتجاوزت الشركة كونها تقدم خدمة دفع، حيث شكلت شراكات لتقديم خدمة تحويل الأموال بين المملكة المتحدة وكينيا. وأتاحت حسابات توفير مع فائدة، إضافة إلى كونها نقطة بيع لعقود تأمين المحاصيل الصغيرة للمزارعين الكينيين. في دراسة سابقة بعنوان "فودافون إم بيسا": الابتكار غير الاعتيادي ـــ التحول من المسؤولية الاجتماعية للشركات إلى نموذج عمل مبتكر" التي شاركني في كتابتها "أوليفر فورديل" من "مركز إنسياد للابتكار الاجتماعي" أشرت إلى أن "إم بيسا" لخدمة الدفع عن طريق الهاتف لم تكن أول شركة تعمل في هذا المجال، لكنها بالتأكيد كانت الأنجح. أولا: كانت منتجاتها مطلوبة حيث تجري كثيرا من التحويلات الداخلية في كينيا، كما هو الحال في عديد من الدول الإفريقية، حيث يبحث السكان عن وسيلة غير مكلفة وآمنة وذات كفاءة لنقل أموالهم. ثانيا، توفر لديهم قاعدة عملاء، حيث تبلغ حصة سفاريكوم 80 في المائة من سوق الهاتف المحمول في البلاد، وبعبارة أخرى 80 في المائة من السكان بإمكانهم استخدام الخدمة. ثالثا، تفهموا احتياجات الوكلاء واعتمدوا خططا تحفيزية من أجل رفع مستوى أدائهم. رابعا، تبنوا استراتيجية مرنة، ولم يعيروا أهمية لكيفية استخدام عملائهم الخدمة طالما أنهم مستمرون في استخدامها. حيث قاموا بتطوير الخدمة بشكل تدريجي بناء على احتياجات السوق. خامسا، اتخذوا موقفا استباقيا في التصدي للمخاطر المحتملة، وعملوا جنبا إلى جنب مع المنظمين المحليين عوضا عن التصادم معهم. جاء نجاح شركة فودافون نتيجة لهدف واضح المعالم واستراتيجية مرنة. لذا يجب أن تكون على استعداد لتبني نماذج أعمال مبتكرة وإجراءات مختلفة عند العمل في سوق جديدة وغير مألوفة بالنسبة إليك. حيث يتيح العمل تحت إطار المسؤولية الاجتماعية للشركات فرصة القيام بمبادرات غير تقليدية من شأنها إفساح المجال لاكتشاف آفاق جديدة، ولكن التأثير الفعلي لهذه المبادرات لا يحدث إلا عندما تتكامل مع أهداف الشركة. في الوقت الذي يعتمد البعض على المسؤولية الاجتماعية للشركات لأسباب تتعلق بالإيثار، فإنه في عالم الأعمال الشديد التنافسية، ينبغي للشركات أن تأخذ في عين الاعتبار مصلحتها الخاصة عند تخصيص الموارد لمبادرات المسؤولية الاجتماعية. وقد أدرك "هيوز" أهمية ذلك. ففي الوقت الذي توفر فيه "إم بيسا" الحد الأدنى من الفائدة لشركة فودافون، كانت لديها القدرة على استخدام تكنولوجيا الهاتف المحمول ونماذج الأعمال المبتكرة لمعالجة تحديات التنمية في البلدان القليلة الموارد، وتغيير حياة ملايين الأشخاص.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المقالات