الاستثمار في القطاع الزراعي والغذاء يعد من أهم الجوانب الاقتصادية التي يجب أن نوليها الكثير من الاهتمام، ذلك أن موضوعها يتعدى القضية الاقتصادية إلى جوانب لا تقل أهمية إن لم تكن ذات أولوية، فالقطاع الزراعي والاستثمار فيه يحقق أمانا غذائيا للمملكة نحن في أمس الحاجة إليه اليوم، لكن مشكلتنا مع القطاع الزراعي أننا نعيش في منطقة مدارية قليلة المياه الجوفية وبلا أنهار دائمة الجريان، فإذا أولينا القطاع الزراعي أهمية بالغة فإن ذلك يأتي دائما على حساب الأمن المائي، لهذا فإننا دائما نتراجع عن خطط الزراعة، لكن الزراعة ليست محصورة في جانب البر، بل هناك جانب زراعي مهم في جانب البحر، وهو ما يجب أن نوليه عناية أكثر واهتماما بالغا، وقد يحقق لنا الأمن الغذائي الذي نطمح إليه، فغني عن القول إن المملكة تشرف على منافذ بحرية واسعة، ولديها شواطئ عملاقة وبحار غنية بالموارد، وكل ما نحن في حاجة إليه هو تنمية الزراعة البحرية إلى أقصى مدى والاستثمار فيها بكثافة.
ففي حوار لـ "الاقتصادية" أكد محافظ محافظة ينبع أن المحافظة فقط لديها أكثر من ثلاثة كيلو مترات على ساحل البحر الأحمر معروضة كفرص استثمارية، فيما أكد مدير إدارة المزارع السمكية في وزارة الزراعة أن الفرص الاستثمارية في الاستزراع المائي كبيرة جدا وأن المزارع السمكية في المملكة يمكنها أن توفر 200 ألف وظيفة في قطاع الثروة السمكية. وفيما يبلغ المتوسط العالمي نحو 19 كيلو جراما نصيب الفرد في السنة من المنتجات البحرية، فإنها تقدر حاليا بنحو 12 كيلوجراما للفرد في المملكة، أي أن هناك فرصة كبيرة وهامشا واسعا للعمل والاستثمار لزيادة نصيب الفرد وهذا يحتاج معه إلى استثمارات حقيقية وعمل كبير من خلال تطبيق بعض أنظمة الاستزراع الحديثة مثل نظام الاستزراع السمكي في الأقفاص العائمة في المياه الإقليمية للمملكة، وهذا يتطلب تشجيع القطاع الخاص في هذا المجال من خلال إنشاء المفرخات البحرية لتفريخ الأحياء المائية الاقتصادية التي أثبتت جدواها تجاريا.
من المهم أن نفكر بطريقة أكثر جرأة بحيث تتولى إدارة المزارع السمكية في وزارة الزراعة إنشاء شركات وأذرع استثمارية لها في هذا القطاع ومن ثم تطبيق نماذج الخصخصة على هذه الشركات وبيعها للقطاع الخاص بعد أن تثبت جدواها. القطاع الخاص في المملكة لا يزال غير قادر بذاته على خوض غمار المخاطر ولا يزال غير جريء فيما يتعلق بمثل هذه المشاريع الواعدة، فمن المهم أن تتولى وزارة الزراعة زمام المبادرة وتطرح مشاريع كبيرة تهدف إلى خصصتها فيما بعد، أو أن تنشئ هيئة مختصة بهذا الشأن أو هذا النوع من الاستثمارات بحيث تتولى الهيئة تعبئة القطاع الخاص نحو الإقبال على هذه المشاريع وترتيب الأولويات والدعم اللوجستي والتمويل المباشر، والضمانات، وتشجيع الشباب خصوصا لاقتحام هذه المبادرات خاصة أبناء المناطق والمحافظات التي لديها شواطئ ومساحات شاسعة على المناطق المائية، ليس هذا فحسب بل إن النجاح في الاستزراع المائي سوف يشجع على نمو صناعة الغذاء المصاحبة لمثل هذه المشاريع مثل التعليب والتغليف والتجميد وغيرها من الصناعات المرتبطة وكل ذلك سوف يقود كما أشرنا إلى بناء صناعة غذاء قوية وتحقق الأمنين الاقتصادي والغذائي للمملكة. وجود خطة استراتيجية لكل هذا هو عمل جيد وقد بادرت وزارة الزراعة بوضع تلك الخطة التي تهدف إلى إنتاج 600 ألف طن من الأحياء المائية خلال 15 سنة، كما تهدف الخطة إلى توفير 200 ألف وظيفة جديدة للجنسين.
