هل نفهم أنفسنا كما يجب؟

بعد نشر مقالي، هل نفهم الغرب على حقيقته؟ في هذه الزاوية اقترح أحد القراء الكرام أن أكتب مقالا عن مدى فهمنا لذواتنا، وما من شك أن هذا الموضوع مهم للغاية، ذلك أن الفرد إذا جهل ذاته بإيجابياتها، وسلبياتها لن يتمكن من التعامل مع الآخرين بشكل سليم يحقق له ما يريد، ويكسبه احترامهم، فمعرفة الذات تمثل الخطوة الأساسية لإيجاد علاقات متوازنة، وتجنبه ما قد يعكر العلاقة. هل من السهولة فهم الذات؟ قد لا يكون الأمر كذلك، وكما يقول المثل: القرب حجاب، أي أن الإنسان ربما يجهل نفسه، وحتى تتضح الفكرة للقارئ يمكن القول لو غبنا عن طفل لفترة، ورأيناه فيما بعد لاحظنا عليه تغيرات جمة ربما لا نلاحظها لو كنا قريبين منه، وقد دعانا الله لفهم ذواتنا وبشيء من التحدي في قوله تعالى "وفي أنفسكم أفلا تبصرون".
ما الذي نحتاج إلى معرفته في ذواتنا؟ كثير من الجهود بذلت من باحثين، ومتخصصين في علم النفس، والاجتماع، والتربية، حيث أجريت البحوث، وألفت الكتب بشأن شخصية الإنسان العربي، وخصائصه وسمات شخصيته، كما تناول الاهتمام العقل العربي وطريقة التفكير، وإدراك المتغيرات المحيطة، والظروف. ومن أبرز من كتبوا في العقل العربي محمد عابد الجابري، حيث استهدفت جهوده الوقوف على آلية التفكير، والمرجعيات ذات التأثير في التفكير، كالثقافة، والدين، والعادات، والتقاليد، والتنشئة المنزلية من قبل الوالدين وأولياء الأمور. كما أن باحثين غربيين ومستشرقين كتبوا عن الإنسان العربي وما لاحظوه أثناء عيشهم في بلاد العرب.
من الأهمية بمكان معرفة كيف ننظر لأنفسنا، أي كيف ندرك ذواتنا؟ هل ندركها بصورة موجبة، أم بصورة سلبية؟ الإدراك الإيجابي يكسبنا الثقة والاعتداد بالنفس، وهذا ما يطلق عليه في أدبيات علم النفس مفهوم الذات الذي تعود أسس تشكيله إلى التنشئة والخبرات الأولى للفرد، فكلما كانت داعمة، ومعززة، كان مفهوم الذات إيجابيا، والعكس صحيح. وتجدر الإشارة إلى أن بعض العلماء يرون أن مفهوم الذات هو الشخصية.
المحك الأساسي في معرفة الذات، هو أداؤنا عندما نتفاعل مع الآخرين، سواء سياسيا، أو تجاريا، أو معرفيا، خاصة في زمن تعقدت فيه الحياة، ولم تعد بتلك البساطة التي عاشها آباؤنا، وأجدادنا، في زمن المعرفة الذي أحدث انقلابا في طريقة التفكير، سواء لدينا، أو لدى الآخرين. ومع تحديات العصر، وتعقيداته يمكن القول إن طريقة تفكيرنا فيها كثير من المبالغة والميل إلى خداع الذات، إذ إننا نصور الإنجازات التي نحققها بصورة أكبر من واقعها الحقيقي، ما يجعلنا نطمئن أكثر من اللازم، حتى إذا فاجأتنا الحوادث اكتشفنا تواضع المنجز، وعدم قدرتنا على تجاوز الظرف الحرج، وهذا يعود في الأساس إلى ثقافة صعوبة مصارحة الذات، ومكاشفتها في الإيجابيات، والسلبيات التي توجد فيها. وما من شك أن إطراء الذات أفضل من جلدها لكن الإطراء والمديح يكون في حدود المعقول، وعندما يستحق الإنجاز الإشادة.
من خصائصنا السلبية الاهتمام بالمظاهر، فالمسؤول يعتني بفخامة المكتب، كما يهتم بوجود موظفين حوله يتحركون يمنة ويسرة، أو يقفون خلفه، وبالقرب منه، كما يبتهج ويطرب عند سماع كلمات الإطراء الكاذب. ولا شك أن هذه الصورة تعطي الطرف الآخر انطباعا غير حميد، فالاعتناء بالمظهر يكون على حساب المخبر، فما يبذل من جهد ومال على المظهر سيصرف النظر والتركيز على الجوهر.
ثقتنا المفرطة بالآخر، ووضعنا البيض بكامله في سلة واحدة يأتي نتيجة ضعف قدرتنا على إدراك الواقع، واكتفائنا بظواهر الأمور وتجنبنا الغوص في أعماق الآخر، وطريقة تفكيره، والعوامل التي تؤثر في سلوكه سواء كانت ثقافية، أو مصالح توجه سلوكه، وتصرفاته، وتغير مواقعه بسرعة، بينما نحن نفتقد المرونة التي تؤهلنا لتحريك مواقعنا حسب المستجدات، وبما يخدم مصالحنا، وبما تفرضه الظروف. الواقع الصعب الذي يحيط بنا لم يأت من فراغ، بل إن عدم قراءتنا المستقبل بدقة أدخلنا في هذه الحالة التي تعيشها منطقتنا، ودون إرادتنا، وما يتعارض مع مصالحنا. وما من شك أن هذا الوضع ترتب عليه عدم التخطيط للمستقبل بالشكل الذي يستحقه، ولذا تغلب علينا إدارة أمورنا بشكل يومي وتغلب عليه البساطة، ويفتقد الاستراتيجية بعيدة المدى.
ما سبق ذكره لا يلغي الجوانب الإيجابية التي اشتهر بها العرب من كرم، وشجاعة، وتآلف، وتقارب أسري، وذكاء فطري، وغيرها من الصفات الحميدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي