Author

من يحمي «الأفكار» من لصوص «الفرص»؟

|
في أحد المنتديات التي حضرتها أخيرا، سمعت حديثا طويلا حول اقتصاد المعرفة، وكيف أنه الطريق السريع للدول في الألفية الجديدة، لتصعد مراتب متقدمة في سلم النمو الاقتصادي العالمي. وفي حوار جانبي مع أحد الزملاء حول مشاركتي في المنتدى، أشار لي بقصة طريفة حدثت له، لكنها قصة من الكوميديا السوداء دون شك. يقول "عملت لأشهر طويلة على فكرة استثمارية جديدة، وفكرت قبل عرضها على ممولين أن أقوم بحفظ حقوق الملكية الفكرية لفكرتي، لكني صدمت أني أصبحت مثل كرة المضرب بين لاعبي تنس محترفين، حين تقدمت لوزارتين من العيار الثقيل "ويكمل" وزارة تقول إنها معنية بحفظ العلامة التجارية، وأخرى تقول إنها معنية بحقوق المؤلف، أما فكرة مشروعي فلا أب لها للأسف"! هل حقا ليست هناك جهة تحفظ حقوق الملكية الفكرية لأفكار المشاريع، ما يوجد أزمة ثقة بين أصحاب الأفكار الإبداعية وجهات التمويل؟ بصدق، أمر يثير الدهشة إننا بعد نحو 140 عاما على اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية، وهي أشبه بميثاق لحفظ حقوق الملكية الفكرية، نجد أنفسنا نناقش مسألة وجود ثغرة في شمولية نظام حقوق الملكية الفكرية في بلادنا، وإن أقصى ما يمكن أن يفعله صاحب فكرة استثمارية خلاقة، أن يسير على بعض النصائح والخبرات قبل تقديم فكرته، مثل توقيع الأطراف الأخرى على "نماذج إفصاح" أو "تقديم ملخص للفكرة فقط"، وهي طبعا مجرد نصائح أشبه بالمسكنات لتخفيف ألم سرطاني عنيف! في الواقع، أمضيت ساعات طويلة في البحث عن جهة مخولة بشكل كامل بحفظ حق الملكية لكل "فكرة أو مشروع أو منتج أو علامة" في إطار شمولي يسد كل الثغرات، لكني وجدت أن بعض الأفكار الإبداعية لا تدخل ضمن أي تصنيف حكومي معني بهذا الشأن، وأن هذا هو ما يفسر عشرات القضايا والاتهامات التي نسمعها ونقرأ عنها يوميا من أفراد غالبا ضد كيانات خاصة وحكومية بدعوى "سرقة الفكرة أو المشروع أو تغيير معالمه للتهرب من أي مطالبات أو دعاوى قضائية". اليوم أقول: قبل أن نتحدث عن اقتصاد المعرفة، والاستثمار في التقنية والقطاعات الواعدة، يجب أن نفكر ونقرر بصوت مسموع في أهمية وجود جهة مستقلة، تنقل لها مسؤولية قوانين الملكية الفكرية من جميع الجهات، ويعد لهذه الهيئة نظام واضح ودقيق يشمل كل مراحل الملكية الفكرية، بدءا من تسجيل الفكرة والتأكد من أحقية صاحبها بالملكية الفكرية، ودعم الفكرة في متابعتها وحمايتها من السرقة أو التقليد أو إعادة الاستخدام دون إذن. أعتقد إن نظرنا من حولنا اليوم نجد أن معظم المشاريع الكبيرة التي نراها ونستخدم الكثير منها هي بدأت بفكرة مشروع مثل "جوجل" و"فيسبوك" و"تويتر"، وكلها أصبحت مشاريع عملاقة فاقت السقف الملياري من الدولارات، وجدت من يحميها منذ اليوم الأول حتى اليوم، وهذا هو أحد أسرار نجاحها كمشاريع إبداعية استثمرت في المحتوى، وأصبحت أيقونة استثمار عالمية لكل صاحب فكرة إبداعية، يخبئها في ملف سري محفوظ في مستودع عقله المبدع.
إنشرها