هل نحن أمام سوق سوداء لجوائز الاستدامة؟

إن كنت معنيا بالاستدامة، سيطالعك محرك البحث بعشرات من جوائز الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية محليا وعربيا، لدرجة تشعر معها أن هناك جائزة لكل شركة! وهي كثرة تبدو للوهلة الأولى محمودة بالنظر إلى أن "الاستدامة" تستقطب اهتماما واسعا.
لكني أتمنى أن لا يشعر أحد بالمفاجأة حين يعلم أن مخرجات تلك الجوائز، على الرغم من مرور عقد على بعضها، تساوي"صفرا"، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، إذ فشل ما يزيد على 77 ألف شركة في السعودية في الخروج بمشاريع تنموية توازي كل هذه "الضوضاء" من الجوائز كنتيجة طبيعية لغياب محددات الشفافية والاستقلالية، ومدى تطبيق معايير عالمية صارمة في عمليات الترشيح والتحليل والتقييم والمحاسبة لتلك الجوائز التي تهدف للربح بطريقة ميكافيلية باتت لا تراعي الحد الأدنى من احترام وعي وفهم الناس.
ولو قادك الإحباط إلى البحث عن مخرجات جوائز الاستدامة العالمية، ستجد أن كثيرا منها أسهمت بشكل أو بآخر في تشجيع الشركات على الابتكار والإسهام بشكل فعال في تحسين العالم، حيث تتنافس الشركات وفقا لمعايير دقيقة للوصول إلى منصة التكريم، ولا أدل على ذلك من مشاريع كبرى تتبناها بعض الشركات العالمية وتنفق عليها مئات الملايين سنويا.
في المقابل، سترى هنا بعين الواقع تحول "جوائز الاستدامة" إلى سوق رائجة لـ "تجار الشنطة"، إذ باتت الجوائز المعنية بالاستدامة واحدة من أهم منابر "الغسيل الأخضر" والترويج للشركات وتضليل الرأي العام، بدلا من تفعيل دورها كمنصة لتحليل وتقييم وتشجيع أبرز الممارسات المسؤولة وتعزيز الكفاءة والإبداع والابتكار!
لذلك وعلى طريقة العالم أرخميدس حين قال: "أعطني مكانا أقف فيه، وسوف أغير العالم"، فإني أقول إنه حان الوقت لإعطاء جوائز الاستدامة مكانا تقف فيه من أجل الإسهام في التنمية المستدامة للبلاد، وفق "معايير صارمة" ومن قبل متخصصين وبأعلى معايير التحكيم.
أحيانا، وبالنظر إلى البنية التحتية الضعيفة لمفهوم "الاستدامة" لدينا، حيث يختلط العمل الاجتماعي بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، وفي ظل محدودية الكفاءة الوطنية المتخصصة في هذا المجال، بات واجبا أن تتولى الجهات المسؤولة جهدا واضحا للتصدي لممارسات "تجميل" صورة الشركات التي تتم تحت مسمى الفوز بـ "جوائز الاستدامة"!
وكمتخصصة في مجال الاستدامة أدعو وسائل الإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في ملفات التنمية، إلى التعاون مع بعضهم بعضا كي لا تتحول تلك الجوائز إلى سوق للفساد وتضليل الرأي العام "المستهلكين" من خلال إعادة تقييمها، ووضع معايير صارمة وتحليل دقيق، وأن تجد الشركات نفسها أمام مسؤوليات تنموية حقيقية قبل أن تفكر في صعود المسرح الفاخر لتسلم جائزة وسماع تصفيق الحضور أمام فلاشات عدسات المصورين، لأن كل ذلك قد يصبح مستقبلا جزءا من مشهد ساخر يعرض في أحد الأفلام الوثائقية بعد عقود يحكي كيف كافأ الإنسان نفسه على "الاتجار بقضاياه ومقدراته" في سباق على حفلة "الجوائز الوهمية" تحت شعار "المسؤولية الاجتماعية للشركات"!.. وعطفا على كل ذلك فإن أكثر ما أخشاه اليوم أن نكرس لاستدامة من نوع آخر ألا وهي "استدامة التضليل"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي