Author

حينما يترجم الإصلاح الاقتصادي عمليا

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
لا شك أن الفرق بين تناول الإصلاح الاقتصادي، والإصلاح عموما داخل أروقة النقاش والجدال النظري من جانب، ومن جانب آخر العمل على ترجمة خلاصة تلك النقاشات إلى برنامج عملي، أقول إنه بكل تأكيد سيكون فرقا كبيرا جدا. وعلى الرغم من عدم قبول عديد من الأطراف، التطرق أو الحديث عن ملفات التنمية المحلية، وضرورة إخضاعها لمشارط الإصلاح والمعالجة، وهو فعلا ما حدث طوال الأعوام الأخيرة، تثبته كثير من كتابات وأطروحات تلك الأطراف المعارضة حتى لمجرد النقاش أو الحديث، الذي كان في الأصل بهدف النهوض بمقدرات البلاد والعباد، وتحقيق التقدم اللازم الذي يلبي التطلعات والطموحات المشروعة للدولة والمجتمع، وهو ما لم يكن ذا أهمية على الإطلاق لمن تبنى طريق الإصلاح والجهر به في ذلك الوقت، فما بالنا والجميع في المرحلة الراهنة يرى كل تلك الرؤى وقد ترجمت فعليا على أرض الواقع! على أن تأييد تلك الأطراف من عدمه لبرامج الإصلاح الجادة، التي بدأت بحمد الله في الاندفاع المدروس نحو مباشرة معالجاتها المتشعبة في مختلف أنحاء الاقتصاد الوطني اليوم، أؤكد أنها لا تمتلك المصداقية والثقة الكافية، وما ذلك إلا بما كسبت أيديهم! وليس في الإمكان أن يقتنع أحد من العالمين بأي مشورة أو رأي لتلك الأطراف في شأن هو اليوم أحد مكتسبات البلاد، التي لا يمكن ولا يحق لأي طرف نسبتها إلى نفسه، إلا بكل تأكيد لن يكون مقبولا بالدرجة الكافية، أن ننصت من قريب أو بعيد لأصوات وأقلام كانت إلى وقت قريب، تنكر جملة وتفصيلا الإصلاح ومحاربة الفساد وجميع أشكال البيروقراطية، حينما كانت في موقع النقاش والحوار الموضوعي، فهل تنشد تلك الأطراف أي حظوة بالقبول أو الثقة في الوقت الذي أصبح كل من كانوا بالأمس يرفضونه أو ينكرون الحديث حوله، أقول: هل تنشد وقد تحول كل ما كان مرفوضا بالأمس من قبلهم إلى برامج عملية على أرض الواقع؟! إلا أنه أيضا في المقابل وهو الأهم هنا؛ وجدت تلك الأطروحات والأفكار الإصلاحية صدى مجتمعيا واسعا جدا له أهميته القصوى، وبنفس درجة الأهمية أيضا أنها وجدت آذانا صاغية من القيادات المخلصة بحمد الله في بلادنا، وهنا يكمن أساس الحديث في هذا المقال، الذي يتطلب وقفة صادقة عنده، وتأملا طويلا مبنيا على الحكمة وسعة الأفق والعقل قبل أي أمر آخر. رأينا جميعا مع بدء ترجمة كل تلك الحوارات والأفكار الإصلاحية إلى برامج عمل، ومشاريع تنمية فعلية، حدوث صدمات لدى عديد من شرائح المجتمع بمجرد البدء في تطبيقها، وهو أمر لا يجوز إنكاره على أحد من الأفراد، فللجميع الحق الكامل والمشروع للتعبير عن رأيهم تجاه ما يجري حولهم ضمن الحدود المقبولة والمعقولة، فمن المعلوم أن أي برامج إصلاحية مهما كانت درجتها، لا بد أن يصاحبها آلام وآثار قد لا تحظى بالقبول، أو أنها قد تخلف وراءها بعض السلبيات على أوضاع تلك الأطراف، إلا أنه في الوقت ذاته؛ تتسم تلك الآثار بعمرها الزمني المحدود، إذ سرعان ما تختفي مع بدء الآثار الإيجابية المستهدفة بالظهور والانتشار والاتساع، ليكتمل بذلك الانتقال من وضع كان سائدا في مرحلة زمنية معينة، بإيجابياته وسلبياته على حد سواء، إلى وضع آخر مختلف عنه سيكون له أيضا إيجابياته وسلبياته، إلا أن الفرق بينهما أنه على المستوى الكلي سيكون للوضع الجديد (صافي) إيجابيات أعلى بكثير من (صافي) إيجابيات الوضع القديم، هذا بحال إن لم يكن للوضع القديم (صافي) سلبيات! إن الأمر باختصار شديد، يتعلق بدرجة التكيف مع التغيرات والتطورات اللاحقة، فكلما كان هذا التكيف، وبمعنى آخر بالغ الأهمية (درجة الفهم)، واسع الآفاق ومدركا لكل القضايا المتعلقة بعمليات التغيير، كانت عمليات التكيف أسهل وأيسر طريقا، وهو الجانب المهم جدا المفترض أن توليه الأجهزة القائمة على عمليات التطوير والإصلاح والتغيير العناية الكاملة، بضرورة إشراك المواطن في كل جزء من عمليات الإصلاح، وأن تتولى باهتمام كبير جهود إيضاح الحقائق كاملة أمامه، وبطريقة مستمرة وواضحة. الإصلاح عموما ليس مجرد أحاديث يتم النطق بها على قهوة صباح أو مساء، وليس التصدي لها في المقالات أو المنتديات أو عبر اللقاءات مجرد حديث ترف أو بحث عن مكاسب قصيرة. إنه قبل كل هذا وبعده أيضا؛ عمل شاق جدا على الجميع دون استثناء، ويجب أن يكون كذلك! بل إن آلامه هي أحد أهم المؤشرات الدالة على صعوبة التشوهات الراهنة التي يمكن وصف القبول بها، أو السكوت عليها، حالة من الإدمان المعقدة جدا، التي يتوجب معالجتها مهما كلف الثمن! فلا يوجد إصلاح حقيقي دون ألم، ولا يوجد إدمان لأي تشوهات أو أخطاء دون ثمن، فالإصلاح أشبه بجهد وتعب طالب يسعى إلى نيل الشهادة العليا، ومن ثم اكتساب مردودها الكبير على حياته ومستقبله، فيما يشبه الإدمان استسلام شخص ما لعقاقير الموت البطيء، وسيأتي ذلك اليوم الذي يواجه فيه مصيره المحتوم طال الزمن أم قصر! إننا ونحن اليوم نخطو أولى الخطوات الفعلية على طريق الإصلاح، يقع على الجميع مسؤولية إنجاحها، ومهام الدفع بها إلى الأمام خطوة خطوة، تختلف تلك المسؤوليات والأدوار من طرف إلى آخر كل حسب موقعه، وهو ما يجب على كل طرف إدراكه تمام الإدراك. إلا أن من الأهمية بمكان هنا؛ أهمية أن تأخذ كل الأجهزة المعنية بتنفيذ تلك البرامج الإصلاحية عامل الشفافية، وضرورة إيضاح وإفهام كل شرائح المجتمع بأهمية وحقيقة ما يقوم به كل جهاز لأجلهم خطوة بخطوة، وألا تتأخر أي من تلك الأجهزة والجهات عن إيضاح الصورة كاملة لكل أفراد المجتمع، وتكمن أهمية هذه الخطوة الرئيسة، في أنها هي الركيزة التي سيقف عليها كل فرد من المجتمع، والتي بناء عليها إما أن تكسبه معها فيمضي العمل بكل يسر ودون عناء، أو أن يتأخر عنها، ما قد يزيد من الأعباء والتكاليف، وهو ما لا يحبذه أحد من أي طرف كان. والله ولي التوفيق.
إنشرها