مالية السعودية .. وآفاق المستقبل
جاء تقرير صندوق النقد العربي، متطابقا مع فحوى التقارير الدولية الأخرى حول المالية العامة للحكومة في المملكة، باحتلالها المراكز الأولى في عدد من القطاعات، ولاسيما بيئة الأعمال، ومالية الحكومة، والقطاع الخارجي. كل هذا يدخل ضمن نطاق التقييم الخاص بالصندوق حول تنافسية الاقتصادات العربية. ورغم التراجع الهائل لأسعار النفط في غضون عام ونصف العام تقريبا، إضافة إلى اضطرابات السوق النفطية بشكل عام، إلا أن المالية العامة السعودية بقيت قوية مستقرة، بل إن المملكة تمضي قدما في برامجها التنموية، وتلك الخاصة بتدعيم البنى التحتية، وغير ذلك من مشاريع تؤسس في مجملها لاقتصاد سعودي جديد، يستند إلى المعايير المتطورة، والاستحقاقات الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية. ورغم ترشيد الإنفاق، إلا أن أيا من هذه المشاريع لم يتأثر سلبا.
ومما لا شك فيه، أن المملكة استفادت من الارتفاع الكبير لأسعار النفط في السنوات القليلة الماضية، وأنتجت فوائض مالية دخلت ضمن نطاقين. الأول، دعم القدرات المالية للبلاد. والثاني، الاستفادة منها في البرامج التنموية الهائلة التي أطلقت في البلاد قبل أعوام. ويبدو واضحا، أن السعودية تستطيع أن تتحمل مزيدا من تراجع أسعار النفط؛ ليس فقط استنادا إلى الفوائض المشار إليها؛ بل أيضا لأنها دخلت بصورة متسارعة عميقة في تنويع مصادر الدخل، ولاسيما استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، مستندة في ذلك إلى تشريعات وتسهيلات لم تعرفها في تاريخها الاقتصادي. والأهم أن هذا التوجه يحظى برعاية مباشرة من أعلى هرم الحكم في البلاد. في السعودية حاليا 18 قطاعا جاهزا للاستثمار الأجنبي، وفق ضمانات قوية.
وهذا ما عززته النتيجة التي توصل إليها تقرير صندوق النقد العربي؛ حيث وضع المملكة في المركز الأول في قطاع بيئة الأعمال. وهذه البيئة على وجه الخصوص، استفادت من مؤشرات تسجيل الملكية والحصول على الائتمان، وحماية المستثمرين، وبدء النشاط التجاري. في حين جاءت الإمارات في المركز الثاني في هذا المجال الحيوي. ونقول الحيوي؛ لأنه يأتي في الوقت المناسب، وفق المتغيرات الراهنة. وتكتسب هذه النتيجة أهمية أيضا لأنها تأتي بعد فترة ليست طويلة، من إطلاق المعايير الجديدة على الساحة السعودية. حتى في مجال القروض المتعثرة، جاءت السعودية وفق "النقد العربي" في المركز الثاني بعد قطر، من حيث تحسن الأداء في هذا المجال. وهذه مساحة تعد خطيرة في المفهوم الاقتصادي المحلي لأي دولة كانت.
كل هذه النتائج وغيرها، تؤكد مجددا قدرة المملكة على تجاوز المرحلة الصعبة الراهنة بأقل الأضرار الممكنة. دون أن ننسى، أنها تقود في الواقع عملية تصحيح السوق النفطية العالمية، وأنها ماضية (رغم كل الظروف) إلى النهاية لتحقيق الهدف. إلى جانب ذلك، تقوم بإعادة صياغة اقتصاد يتماشى مع المتطلبات المستقبلية، وفق استراتيجية بعيدة المدى. ليس هناك حلول وسط في هذه المسألة. والسعودية التي أعلنت بلدان مجموعة العشرين في أكثر من مناسبة أنها التزمت بكل تعهداتها المحلية والخارجية، وتجاوزت بقية الدول الأعضاء في المجموعة، تمضي قدماً في مسار لا رجعة فيه، رغم كل الصعاب. وعلى هذا الأساس، فإن أي تصنيف جديد للمملكة، هو في الواقع بمنزلة قراءة حقيقية لما هو موجود على الأرض، خصوصا عندما يكون صادراً بصورة مهنية، بعيدة عن أي اعتبارات أخرى.
مع الآفاق الجديدة للاقتصاد السعودي، سيكون هناك كثير من المحطات المشرقة. محطات من النوع الذي ينقلها إلى المستقبل بثبات وبواقعية أيضا، خصوصا أنه لم يسبق للمملكة حتى في ظل أكبر الأزمات الاقتصادية، إلا وتعاطت مع القضايا المطروحة كما هي، لا كما تتمنى.